متى يستيقظ قادة العالم الإسلامي؟ وهل يصبح المحتل للأراضي المقدسة حليفا؟/ عمار طالبي

يشاع هذه الأيام في وسائل الإعلام من مصادر مختلفة، ومنها مصادر صهيونية اغتناما للفرص، أن دولا عربية، تتقارب وربما تستعين بالمخابرات الصهيونية عداوة لإيران، وترصد لها ولما يسمى أذرعته في لبنان وغيرها، كأن إيران عدو مبين، والصهاينة في احتلالهم وقهرهم لفلسطين صديق حميم، بحيث يدعو الصهاينة مفتي المملكة العربية السعودية لزيارتهم في تل الربيع الذي يسمونه تل أبيب، ويقال إن الجنرال الصهيوني على استعداد للتعاون مع السعودية مخابراتيا ومعلوماتيا لحربها، ومواجهتها لإيران إن وقعت.
وهذا أمر خطير إن أصبح واقعيا في الميدان، فكيف يصح التعاون مع من احتل مقدسات المسلمين جميعا – سنة وشيعة، ومهما يكن من خلاف بينهما فإن الإسلام يجمع بينهما في أصوله، وما نراه من مواجهة، إنما هو أمر سياسي مؤقت، وما كان للخلاف السياسي أن يمحو الأخوة الإسلامية، فالأخوة كما يقول شيخنا ابن باديس تغمده الله برضوانه، إنما هي فوق ما يؤخذ، وما يرد من آراء، ووجهات النظر.
وهذا الذي يحدث في العراق، وسوريا، واليمن، أساسه سياسي وحب الحكم، تحولت أحزاب سياسية تزعم أنها من الدعاة إلى مليشيات متقاتلة، واستجابت لما زرعه الأمريكان من ألغام، وقنابل طائفية، وما كان لإيران الإسلامية أن تتورط في مذهبية طائفية، وهي تدعو إلى الوحدة الإسلامية في مؤتمرات كل عام، فذهب ذلك كله أدراج الرياح، وتسرب الشك إليها بسبب ما نسمعه من تصريحات عدوانية، وما نراه من عدوان على أهل السنة في العراق مما يسيء إلى الشيعة ذاتها، ويضر بالإسلام والمسلمين جميعا، ويفتح بابا لعدوان الأجانب، وفرصا لتفتيت العالم الإسلامي وتشتيته، وجعله فريسة سائغة لنهب ثرواته، وتمكين هؤلاء من بناء قواعده في أرض المسلمين عسكرية برية وبحرية، وتمكين الصهاينة من اغتنام الفرصة لتعميق الانقسام، ونهب أرض فلسطين، ودعوة العرب إلى التطبيع والتعاون، ونسيان احتلال المقدسات، ودفن قضية فلسطين، ولعل مؤتمر مقاومة التطبيع في الكويت له أهميته في هذا المجال في هذه الأيام، وما كان للعرب في الخليج وغيره أن يتقربوا من الصهاينة، ويلتقوا معهم جهارا نهارا، ويرقص بعضهم معهم رقصا عاشقا في مهزلة مضحكة، وأن يتخذوا إيران عدوا مبينا بدل التعاون معها لتحرير الأرض المقدسة، وهي دولة إسلامية، وما كان لإيران أيضا أن تقوم باستفزازات بعض قادتها، في تصريحاتهم السياسية، وأنهم يمتدون في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويقودون نار الحرب في اليمن بمد الحوثيين بالأسلحة كما يؤكد الإعلام، مما يطيل هذه الحروب، ويورث المسلمين جميعا الحقد والعداوة، بعضهم لبعض في عصر نضج الفكر العالمي السياسي في الغرب، وكفوا عن القتال، واتحدوا، وأدركوا أن مصلحتهم في التوحد، ورشدت سبلهم السياسية رشدا أبعدهم عن شن الحروب، وسفك الدماء، وجعلتهم يكتسبون النفع والتعاضد.
وهذه الطوائف الطائشة من “داعش” وما يلوذ ملاذها، وهؤلاء الظاهرية المتجمدة، التي ألغت العقل، وسلكت مسالك الجهل، وتكفير الناس، والغلو في الدين، والخروج عن سماحة الإسلام، هم سبب ما نعانيه، فقد استغلهم الأمريكان في مواجهتهم للاتحاد السوفياتي، وكان لعرب الخليج تهيئة مادتها البشرية والمالية، ولما ذهبت ريح الاتحاد السوفياتي من أفغانستان استغلت القاعدة مرة أخرى، وتطورت إلى “داعش”، واتخذت أداة لمحاربة الإرهاب، واستغلتها الدول المختلفة البالغة الستين أو السبعين دولة في الدخول إلى أراضي العرب، واستباحة دماء أهلها الأبرياء، وتدمير مدنهم، واحتلال أراضيهم، وكانت فرصة عظيمة لوضع القواعد، والتمكين في الأرض بدعوى محاربة الإرهاب، كأنه دولة عظمى نووية، غلبت سبعين دولة، إنه تلاعب سياسي، وتسابق بين الدول لكسب ما يمكن اكتسابه، وقسمة ما يمكن أن يقسم.
والحمد لله، لقد ذهب تقسيم العراق، واختفى انفصال الأكراد، وهم جزء من الأمة المسلمة، وهذا العصر ليس عصر القوميات، والتجزئة في العالم، وها نحن نرى ما وقع في إسبانيا، فهبت دول الاتحاد الأوربي قاطبة ضد الانقسام، وخاب حلم هذه القومية بسبب ما أبدته الحكومة المركزية من حسم وحزم، وصرامة للحفاظ على وحدتها.
إن الجانب السياسي هو سبب التفرقة بين المسلمين منذ القدم، ولقد وصل الوقت الحاسم للانصراف عنه، والتوجه إلى ما يجمعنا جميعا من أصول الإسلام، والتسامح في اختلافنا في الأمور الجزئية الاجتهادية، فإنها اجتهادات تغني ولا تضر، وهي مجال للاختيار والإقناع، لا للاختلاف والنزاع، وليكفّ غلاة السياسة والقومية عن غلوهم، وليغلبوا مصلحة الأمة الجامعة لا المفرقة، من عدم التفريط في المصالح الخاصة، ومراعاة ظروف كل مجتمع من المجتمعات الإسلامية، وليكن التعاون الاقتصادي والسياسي بدلا من التنافس المغالي الذي يؤدي إلى الصراع وفوات المصلحة المشتركة.
وأظن أنه قد آن الأوان لدراسة مشروع مالك بن نبي في كومنولث إسلامي، والقيام بما يحققه من استراتيجية قائمة على دراسة علمية واقعية، في مجمع مختص من كل الدول الإسلامية، ومن خبرائها، لا تسيطر عليه دولة، وتنفرد به، أو عدة دول دون غيرها.
وليأخذ المسلمون درسا من تاريخهم الطويل ليتخلصوا من النزاع الذي يؤدي إلى الضعف، والخروج من التأثير في التاريخ والمستقبل.
وهذا هو التغيير الذي دعا إليه مالك بن نبي، وأوصى به في آخر حياته، ولكن غفلنا، فجاء غيرنا ليغيرنا على النحو الذي يريد ويخطط، وما زلنا في غفلة عن مصالحنا الحقيقية، ولا ننظر عن بعد، وعن استراتيجية بعيدة المدى، وتركنا المجال لغيرنا ليتصرف في شؤوننا، ونلجأ إليه ليحكم بيننا، وينصر بعضا على بعض، ثم يحتل ما يشاء من أرض، ويتصرف فيما يشاء من سياسة، تتفق مع مصالحه الإستراتيجية المعدة سلفا.
متى يستفيق قادة العالم الإسلامي؟