وقفة مع المثقف الجزائري الراحل د. محمد بن عبد الكريم الجزائري (1912/ 2024) بمناسبة صدور أعماله الكاملة عن «دار الوعي» بالجزائر
باريس من سعدي بزيان/
عرفت الصديق الراحل د. محمد بن عبد الكريم الجزائري في السنوات الأخيرة وهو بصدد تقديم رسالة شهادة الدكتوراه في جامعة الجزائر، وكنت التقيت به مرات عديدة في باريس التي عاش فيها سنوات وفيها درس اللغة الفرنسية، وقد أهدى إلي العديد من كتبه، ولعل أبرز هذه الكتب «الثقافة ومآسي رجالها» وهو بحق كان سبّاقا في البحث عن المخطوطات الجزائرية في الجزائر وخارج الجزائر وقد نشر في هذا الموضوع كتابا قيما بعنوان «مخطوطات جزائرية في اسطنبول» وقد أعجب المرحوم د. سعد الله باهتمام محمد بن عبد الكريم بالتراث الجزائري وكثيرا ما استدل به سواء في كتبه «مسار قلم» أو في كتب أخرى ومع الأسف الشديد فإن د.محمد بن عبد الكريم مجهول لدى المثقفين الجزائريين في الجزائر ذلك أن د. عبد الكريم عاش بعيدا عن الأضواء، حيث كان عضوا في «جمعيةالدعوة الإسلامية العالمية» وقد أنجز لفائدة هذه الجمعية تفسير القرآن الكريم الجزائري وكتبه المثيرة للجدل.
امتاز د. بن عبد الكريم في الأدب والشريعة، وله ديوان شعر، ولي نسخة منه أحتفظ بها في مكتبي بعنوان «كشف الستار» شعر د. محمد بن عبد الكريم الجزائري بمقدمة بعنوان: «واقعنا هو هذا» نقتبس منه ما يلي:
«سكرت رجال العلم عن منكر جرم
– وأفظع من هذا بهم يُمدح الظلم
– وأفظع من هذا صحيفة تاجر
– بها يُنشر التزوير والزيف والوهم
– وأفظع من هذين قاضٍ منفذ
– أوامر ظلام ويعزى له الحكم
– وأفظع من كل رضانا بما جرى
– ونسياننا للشر شر لنا حتم
واعترف بأنه ليس من أولئك الذين يدعون شعرا:
«لست ممن يدعي الشعر فناقد غدا فيه يشق الغبار
إنما قد قلت قولا صريحاعن خبايا قد أزاح الستارا
بيني وبين د. محمد بن عبد الكريم الجزائري جدل لا ينتهي وتقدير ليس له حدود، وفي كرم الضيافة حدّث ولا حرج.
كلما اجتمعت والدكتور بن عبد الكريم إلا وثار الجدل بيني وبينه وخاصة فيما يتعلق بالوجود الإسلامي في فرنسا والغرب عموما وخاصة بعد أن أوليت اهتمامي كثيرا بواقع مسلمي الغرب وهمومهم واهتماماتهم، وأعجبت بالدراسات الحديثة التي صدرت عن مسلمي الغرب من طرف المشايخ الكبار مثل القرضاوي والغزالي والبوطي وآخرين بل إن القرضاوي أصدر كتابا حول «فقه الأقليات» ويشغل حاليا منصب رئيس «المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث» ومقره إيرلاندا وله كتاب قيم بعنوان «فتاوى معاصرة» ضمنه بعض الفتاوى خاصة تتعلق ببعض القضايا ذات الخصوصية بمسلمي أوروبا –بينما ظل المرحوم د- محمد بن عبد الكريم متمسكا برأيه دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصيات مسلمي الغرب وقد عبر عن ذلك بإصدار كتابين خالف فيهما غيره من أساتذة الفقه والشريعة مثل البوطي والقرضاوي والغزالي محمد فكان الكتاب الأول بعنوان: «الهجرة من الأقطار الإسلامية إلى الاقطار الإفرنجية» صدرت الطبعة الأولى 1994 ولم يشر إلى مكان الطبع والصدور.
وعلى كل حال فالدكتور محمد بن عبد الكريم اعتمد على الأحاديث النبوية وبعض آراء الفقهاء، والمعروف أن بعض المشاكل التي يعيشها اليوم مسلمو الغرب لم تعترضهم في حياتهم فقد كانوا يعيشون في بلدان إسلامية تحت حكم إسلامي في حين مسلمي الغرب اليوم يعيشون في بلدان مسيحية علمانية تم فيها فصل الدين عن الدولة، فبالنسبة لفرنسا مثلا تم فيها فصل الدين عن الدولة في سنة 1905 وفي كتاب د. محمد بن عبد الكريم لا زال يعتبر فرنسا «دار حرب» وهي على مواقفها إزاء الإسلام فلا زال المسلمون فيها يشكلون الديانة الثانية بعد المسيحية ولهم فيها أكثر من 1000 مسجد، وقاعات للصلاة وأكثر من 100 مكتبة تبيع الكتاب الإسلامي البعض منها تتولى طبعه وتوزيعه وترجمته، ولم نسمع بكتاب إسلامي واحد تم منعه من التداول ما عدا كتاب يوسف القرضاوي «الحلال والحرام في الإسلام» المترجم للغة الفرنسية والذي تمت ترجمته إلى الفرنسية ومنع تداوله في عهد وزير الداخلية الراحل شارل باسكوا ولكن سرعان ما رفع الحجر عنه بتدخل من عميد مسجد باريس السابق دليل بو بكر.
وكل ما أوردته من حديث ومواقف للدكتور محمد بن عبد الكريم، فهو وجه منير ومثقف في الثقافة الجزائرية وقد ظل وفيا للجزائر وجل ما حققه في التراث فهو عن التراث الجزائري وفي مقدمتها المرآة لمحة تاريخية وإحصائية على إيالة الجزائر، حمدان بن عثمان خوجة الجزائري وحمدان خوجة الجزائري ومذكراته و«وشاح الكتائب وزينة الجيش المحمدي الغالب» لقدور بن محمد بن رويلة ومن كتبه الأخرى «الثقافة ومآسي رجالها» ومخطوطات جزائرية في اسطنبول وديوان شعر «كشف الستار».
ودراسات في الدعوة الإسلامية وتفسير القرآن الكريم، وسوف يتعرف القراء على كامل أعماله التي تولت «دار الوعي» كامل التقدير والاحترام في إحياء شخصية ثقافية جزائرية «ومن أرخ لشخص فكأنما أحياه»، وكم نتمنى أن تقوم «دار الوعي» بإصدار أعمال المرحوم إسماعيل العربي وهي أعمال قيمة ككاتب ومترجم وصحافي طاله التهميش في وطنه فغادره ليموت خارج الوطن كاد النسيان يطويه لولا دمعة حزن ورثاء له من طرف د. ناصر الدين سعيدوي لم تذكره أساتذة الجامعات الجزائرية ولا مراكز البحث ولا برنامج الذاكرة وقد نعود للحديث عن د. محمد بن عبد الكريم بعد الاتصال «بدار الوعي» بالجزائر علها تضيف إلينا بعض المعلومات لإثراء المقال ورحم الله صديقنا د. محمد بن عبد الكريم.