شحرور والمنهج المتعثر “الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة”/ عبد القادر قلاتي
في مقالي في العدد السابق، حاولت أن أقف عند هذا التيار، الذي اقتحم مجال الدراسات الإسلامية، وذلك انطلاقاً من المشروع الحداثي العربي الذي بدأ متعثرا، عندما استند إلى جملة من المفاهيم، ومعطيات الحداثة الغربية، وظهر في الواقع الثقافي والسياسي العربي، بمرجعيات أيديولوجية غربية بحتة، سرعان ما أدرك أن مجمل تنظيراته لا تحرك أبسط المفاهيم التراثية العصية على هذا المنهج الوافد، لذا اختار هذا التيار اللجوء إلى استراتيجية أخرى وهي ولوج عالم الفكر الاسلامي من الداخل، ومحاولة حلحلة الساكن والثابت فيه، بنفس المنهج العلمي القائم في الدراسات الحداثية الغربية، دون أن يدرك – هذا التيار- أن للفكر الإسلامي منهجه الخاص وأدواته المعرفية التي تشكل هذا المنهج، لذا نقرأ ونسمع ما يطرحه هذا التيار من طامات فكرية، تعمل على التشويش والشغب الفكري، دون تغيير أو توضيف في مجال الفكر الإسلامي، ولا تقدم لهذا الفكر أية إضافة معرفية أصيلة وحقيقية.
في مقالنا هذا جاء اختيارنا للدكتور محمد شحرور، وكتابه الموسوم بـ: “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة“، لأسباب نذكر منها: الاهتمام الواسع عند قطاع كبير من الشباب الجزائري، وهذا ما شاهدته أنا وشاهده غيري أثناء المعرض الدولي للكتاب، حيث نفذت كتبه في (دار الساقي) في اليوم الأول أو الثاني من أيام المعرض، والسبب الثاني وهو الأهم – عندي في نقدي هذا التيار- أنّ الدكتور محمد شحرور يمثل النموذج الأوضح للتنظير في المسائل المتعلقة بواقع النَّاس، والجدل المستمر في النّظر لهذه المسائل حتى في الدائرة الإسلامية التقليدية، وإن كان الرجل في كتابه – الكتاب والقرآن- حاول أن يسوق المنهج الذي استند إليه في طروحاته الفكرية الغريبة، طبعاً بدعم واضح من أستاذه جعفر دك الباب (أستاذ في الدراسات اللغوية بجامعة دمشق، وجامعة الجزائر) الذي قدَّم للكتاب مقدمة تفصيلية في تبيان هذا المنهج الجديد، إلاّ أنّ القارئ والمتابع لمنتوج شحرور بعد ذلك لا يرى لهذا المنهج أثراً، وإنما هو الانتقاء والاختيار والتوفيق والتلفيق، من يطبع مجمل كتابات شحرور، وحتى لو سلمنا بالتزام هذا المنهج الذي بشرنا به شحرور وأستاذه دك الباب، فهل يعقل أن يقوم التشريع الإسلامي على منطق اللغة فقط، كما شرح دك الباب ذلك في مقدمة الكتاب، حيث يقول: “تبنى الدكتور شحرور المنهج التاريخي العلمي في الدراسة اللغوية، الذي طرحته لدى دراستي الخصائص البنيوية للعربية، في ضوء الدراسات اللسانية الحديثة؛ لقد استنبطت أسس ذلك المنهج من اتجاه مدرسة أبي علي الفارسي اللغوية. فما هي الملامح العامة لهذا الاتجاه؟”، وراح الدكتور دك الباب يشرح لنا ملاح هذه المدرسة، ولا تعنينا هذه الملاح فيما نريد نقده، فالمشكلة التي نراها في هذا التوجه الفكري هي الدعوة لمنهج جديد في قراءة النّصوص التأسيسية (الكتاب/ السنة)، فهذا يعني هدم المنهج المتكامل الذي صاغه العقل الإسلامي منذ بداية التلقي، مروراً بمرحلة التدوين والتأسيس للآراء الفقهية والمذاهب الإسلامية الكبرى، فالتشريع الإسلامي يقوم على أصول ثابتة التزمها الفقهاء، وعلى ضوء هذه الأصول جاء البناء الفقهي لمجمل المسائل المتعلقة بحياة المسلم في العبادات والمعاملات، والسياسة والعلاقات الدولية.
بينما المنهج الذي اعتمده شحرور كما يقول أستاذه دك الباب يقوم على المنهج الذي أسماه بالمنهج التاريخي العلمي، “فقد ركَّز على التلازم بين اللغة والتفكير، ووظيفة الاتصال منذ بداية نشأة الكلام الإنساني، وانطلق من أن اللغة الانسانية كانت منطوقة في نشأتها الأولى، وأنكر ظاهرة الترادف في العربية. لذا اختار الباحث (معجم مقاييس اللغة) لابن فار، واعتمده مرجعاً هاماً يستند إليه في تحديد فروق معاني الألفاظ التي بحث فيها، لأنَّ ابن فارس تلميذ ثعلب..! وقد أخذ برأي أستاذه حول التباين بين اسم الذات واسم الصفة” من خلال هذا التوصيف لمنهج شحرور الذي استعرضه الدكتور دك الباب (في الواقع الدكتور جعفر دك الباب هو صاحب فكرة الكتاب، وليس للدكتور شحرور سوى تبني هذه الرؤية في قراءة النصوص)، ندرك أنَّ المنهج المعتمد لا يقوم إلاَّ على مسألة اللغة، ولا يلقي بالاً لأيّ أصل من أصول التشريع الإسلامي، فالقراءة تذهب مباشرة إلى النَّص القرآني، متجاوزة لبقية الأصول المعتمدة، وفي مُقَدّمِها السنَّة النَّبوية، فلا تخرج هذه القراءة عن دائرة اللغة، وفي إطار مدرسة لغوية محددة تبناها الدكتور جعفر دك الباب، واستند إليها الدكتور شحرور في قراءته، وعلى ضوء هذا المنهج المتعثر جاء كتابه (الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة).