خطاب من مواطن منتخِب إلى مترشّح منتخَب/ د. عبد الرزاق قسوم
أهنؤك يا حضرة المنتخَب – كائناً من كنتَ- على وصولك إلى قصر البلدية، آملاً أن يكون فوزك مستحقاً.
فسواء أكنت متحزباً أو حراً، متديناً أو علمانياً، فإن انتماءك الهام، في هذه الاستحقاقات، هو أن تكون وطنياً صادقاً، ومسيراً حاذقاً، ومتعاوناً لائقاً.
ستكتشف بنفسك في البلدية التغيير في الهيكلة والتسيير، فبعد أن كان المسؤول الأول عن البلدية، يعرف بشيخ البلدية، أي الرجل الذي حنّكته التجارب، وأنضجته المآرب، فنأى بنفسه على كل الموارب، والمسارب. ستجد واقعاً آخر في البلدية اليوم، بدءً بشاب أو شابة البلدية، الذي سيجرب القليل من علمه، والمحدود من فهمه، والكثير من جهله، فيُخضع كل مصالح الناس، إلى هاجسه الوسواس الخناس.
سيجد المسؤول الأول في البلدية – اليوم- نفسه أمام مجموعة من المتناقضات، أولها تعدد الرؤى، وتنوع النظريات، بحكم فسيفسائية المنتخبين، والمنتخبات.
ثانيها: طغيان الفساد، وتدخل العباد في الحصول على ما يحل وما لا يحل من العتاد، والعقارات، وكل أمور البلاد.
ثالثها: شح المداخيل، وكثرة المطالب، وإشاعة الأقاويل، ونشر الأباطيل، وتيه المسؤول بين التهويل، والتقليل والتعليل.
رابعها: أزمة السكن، واستفحال المحن، وغياب العدل في التعامل مع المعوزين، من مستحقي المركب والمسكن.
خامسها: تلوث المحيط، وانتشار الزبالة بين الحيط والحيط، وامتزاج المعقد بالبسيط، والمواطن الشريف، بالدعي والعبيط.
إن الوافد على البلدية اليوم، سيجد نفسه أمام ما يشبه الأدغال، يتعامل مع الذئاب، والنمور، والثعالب، والفيلة، فلا بد له، من عدل الأنبياء، وحكمة الأتقياء، ليتفادى مطامع رجال الأعمال الأشقياء، وجشع طموحات الأغنياء، وغياء بعض المسيرين الأغبياء.
في شوارع بلدياتنا -اليوم- فوضى البناء، وتطبيق قانون الأقوياء، وغزو الاسمنت على بقايا الاخضرار في الفضاء، وانعدام أي تخطيط في رسم الشوارع، واختبار الألوان، والتحكم في عدد الطوابق، ومستوى الإعلاء.
وفي واجهات المحلات، والمؤسسات، لاسيما – منها- الطفيليات، قبح إعلامي وغزو ثقافي، وعقوق لغوي، مما شمت وجه البلاد، وأعاق لسان الطفل، وعقل العباد.
وما كان لكل هذا أن يحدث لولا الهوة السحيقة التي صارت تفصل الحاكم عن المحكومين، ونسجن ممثل الشعب في برجه العاجي المصنوع من اللجين؛ وتنامي الحقد، على المسؤولين، من جانب المواطنين.
لذلك، نتوق إلى ثورة تغييرية سلمية، يجب أن تحدث في كل المستويات، وخاصة على مستوى البلدية، يضطلع بها المنتخبون الجدد ولاسيما المثقفين منهم، تكون مستندة إلى العلم، ومطبقة بفهم، ومقدمة إلى المواطن بالعقل، والحكمة، والحِلم.
ومن متطلبات ثورة التغيير هذه، إعادة الأمل إلى القلوب، وتشجيع الناس على العمل، لملء الجيوب، وتقديم العون للفلاحين للإقبال على زراعة الخضر، والفواكه والحبوب.
كما أنّ من متطلبات التغيير المنشود، العناية بالجيل الصاعد، بتهيئة مدارسه الأصيلة، وتنقية وسائل محيطه من كل أنواع الرذيلة، ونشر القيم، والأخلاق والفضيلة.
إنّ من أبجديات التغيير العاجل، إعادة المواطن إلى الذات، وتزويد هذه الذات بالمقومات الحضارية، والوطنية، وما تتطلبها من مميزات وخصوصيات.
فيا أبناءنا من مسؤولي البلديات القادمين إليها من كل البوادي، والمدن، والأرياف، وجميع المقاطعات، لا تحسبوا أنّ مسؤوليتكم سهلة وخفيفة، بل إنها -والله- ثقيلة، ومحفوفة بكل خطر وخيفة. ولن يمكنكم من النجاح فيها، إلا نسيان خلافاتكم الإيديولوجية، ونزاعاتكم الحزبية، والالتفاف حول مقوم واحد هو مقوم الوطنية الجزائرية.
اجعلوا يا أبناء البلديات ومسؤوليها ديدنكم، هو العودة بالبلدية إلى تليد عهدها، وذلك بإشراك المواطن الذي انتخبكم، في تسييرها، بدعوته إلى حضور اتخاذ القرارات. وإشهاده على معايير توزيع السكنات، وتحميله المسؤولية في كيفية تطبيق كل التوجيهات والتعليمات.
إنّ وطننا يئن من تبعات البيروقراطية، فدعّموا الإصلاحات التكنولوجية في الحالة المدنية، بالتعبئة الشعبية في إشراك المواطنين معكم، في حملات التوعية، وتنظيم العمليات التطوعية، وتنظيف الشوارع، والمحيط من كل ألوان المزابل المادية والمعنوية، وتطهير الألسن والأعين، والأذواق، مما ينشر في المحيط من عدوان على حروفنا الحضارية، وإعادة هذه المحلات، إلى حضن وطنيتها الأصيلة.
إننا، على الرغم مما قد يكون لحق بعملية الانتخاب، من القيل، والقال، فإنّ العبرة بالأعمال، فجسّدوا شعارات الحملات الانتخابية، والوعود القبلية، جسدوها في مجال الأفعال.
إنّ الوطن أمانة في ذمة الجميع، إنه أمانة العلماء، والشهداء، والمجاهدين، والمخلصين، فاحفظوا الأمانة، وصونوها عن كل مساس وإهانة. ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [سورة النحل- الآية: 128].