أكذوبة ” جمعية العلماء المسلمين ” أم أكاذيب بدري بن المنور؟ (2)/ عبد الحميد بن باديس
من ناحية القيمة العلمية والأدبية والوطنية للشيخ محمد البشير الإبراهيمي نقدم شهادة العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي ـ الذي يبدو أنه يحظى بتقدير بدري بن المنورـ يقول الشيخ البوطي ـ رحمه الله ـ :” أذكر عهدا كان اسم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي فيه مرتبطا في ذهني بالبيان الجزل والأدب الرصين والسبك العربي السامي، ثم لم تكن لي التفاتة إلى ما وراء ذلك من المعاني والأفكار السارية في داخله.
كان ذلك في صدر حياتي، يوم كانت النزعة الأدبية ملء كياني، وكان هوى البيان العربي شغلي الشاغل.. فلما لطف الله بي ونقلني من هوى التمتع بوعاء الأدب والبيان، إلى الاهتمام بما ينبغي أن يحويه هذا الوعاء من القيم وحقائق الدين وموازين العلم، أصبحت أتجاوز الصور البيانية المشرقة في بحوث الشيخ البشير الإبراهيمي وكتاباته إلى الأفكار التي ينادي بها والقيم التي يدعو إليها، وأتتبع مواقفه الثائرة فيها على الاحتلال وذيوله”.
ولعل من المفيد أن ” يكتشف” بدري بن المنور الذي يكتب بلا خجل ” لأول مرة يجرؤ أحد مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية اسمه بلعيد عبد السلام على كشف المستور حول الدور السلبي للشيخ الإبراهيمي..” أن أول من طعن في الدور الجهادي للشيخ محمد البشير الإبراهيمي واتهمه بالتقاعس عن تلبية نداء الثورة الجزائرية هو الرئيس الراحل والزعيم الوطني أحمد بن بلة، وذلك خلال انعقاد المؤتمر الثالث لحزب جبهة التحرير الوطني في 16 أفريل سنة 1964، وجاء هذا الاتهام بعد نشر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بيانه التاريخي الذي أصدره في الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة إمام النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس، والذي انتقد فيه الخيار الاشتراكي الذي تبنته آنذاك القيادة السياسية لحزب جبهة التحرير الوطني. وقد رد على الرئيس أحمد بن بلة على هامش المؤتمر في حينها بالحجج القاطعة والأدلة الدامغة الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين الشيخ عبد الرحمن شيبان ـ رحمه الله ـ وتفاصيل القضية لمن أراد الاطلاع عليها معروضة في كتاب ( حقائق وأباطيل ) الصادر في الجزائر سنة 2009 عن منشورات المجلس الإسلامي الأعلى.
لم يكتف بدري بن المنور باعتبار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مجرد ” أكذوبة ” رغم مئات المدارس والمعاهد والنوادي التي أقامتها بالإضافة إلى مئات الآلاف من التلاميذ والمناضلين الذين كونتهم جمعية العلماء المسلمين وأصبح منهم قادة في الجهاد الجزائري وإطارات في بناء الدولة الجزائرية بعد استرجاع الاستقلال الوطني، بل وصلت به الوقاحة والاستخفاف بالقراء إلى حد التطاول على أحد رموز الجزائر التي تحتفل سنويا بذكرى وفاته ( 16 أفريل ) هو الإمام عبد الحميد بن باديس، الذي يقول عنه أحد قادة الحركة الوطنية الجزائرية والإطار الكبير في حزب الشعب الجزائري عندما كان بلعيد عبد السلام مجرد مناضل صغير ألا وهو المناضل المرحوم محمود عبدون الذي يقدم شهادته التاريخية في كتابه (شهادة مناضل في الحركة الوطنية) الصادر بالفرنسية عن دار دحلب سنة 1991 يقول: ” بينما أنا، أيام الحرب العالمية الثانية، بالجنوب التونسي قريبا من خط ” مارث ” الذي أقامته فرنسا في الحدود التونسية الليبية، وبينما كنت في حراسة المكاتب، قررت يوما أن أطلع على وثائق الضابط المكلف بالتموين، فعثرت على وثيقة مصنفة ” سري جدا ” تصنف الشخصيات السياسية الجزائرية الأكثر خطورة على السيادة الفرنسية، ولكم كانت دهشتي عظيمة، لما وجدت أن ابن باديس على رأس تلك القائمة متبوعا بمصالي الحاج وبحزب الشعب “.
ويحاول بدري بن المنور بدافع الحقد على الحركة الإصلاحية ورموزها أن يصور العلاقة بين الشيخ عبد الحميد بن باديس وأستاذه الطاهر بن عاشور في جامع الزيتونة بأنها علاقة تنافر وخصام وجفاء، ويفسر اختلاف وجهات النظر بين العالمين الجليلين بأنها قلة وفاء وتنكر من الشيخ ابن باديس لمدرسة الزيتونة وشيوخه فيها.
وفيما يلي نموذج مما قاله الشيخ ابن باديس في أستاذه شيخ الإسلام الطاهر بن عاشور: ” عرفت هذا الأستاذ في جامع الزيتونة وهو ثاني الرجلين اللذين يشار إليهما بالرسوخ في العلم والتحقيق، في النظر والسمو، والاتساع في التفكير أولهما العلامة الأستاذ شيخنا (محمد النخلي) القيرواني – وثانيهما العلامة الأستاذ شيخنا (الطاهر بن عاشور).
” وإن أنس فلا أنسى دروسا قرأتها من ديوان الحماسة على الأستاذ ابن عاشور، وكانت من أول ما قرأت عليه، فقد حببتني في الأدب والتفقه في كلام العرب، وبثت في روحا جديدا في فهم المنظوم والمنثور، وأحيت مني الشعور بعز العروبة والاعتزاز بها كما اعتز بالإسلام”.
أما الشيخ الطاهر بن عاشور فيقول عن تلميذه عبد الحميد بن باديس: “العالم الفاضل، نبعة العلم والمجادة، ومرتع التحرير والإجادة، ابننا الذي أفتخرُ ببنوته إلينا… الشيخ سيدي عبد الحميد ابن باديس… أكثر الله من أمثاله في المسلمين”.
وفي الاحتفال بالذكرى السابعة لوفاة ابن باديس، قال الشيخ ابن عاشور:”… إن فضل النهضة الجزائرية على العالم الإسلامي فضل عظيم، وإن أثر الشيخ عبد الحميد بن باديس في تلك النهضة أثر إنساني رئيس… تلقى الإمام عبد الحميد تعاليم الإسلام، وتشرب روح العروبة، فكانت روحه الفلسفية متوجهة نحو تسليط تلك التعاليم وهاتيك الروح على ما بين جنبيه وجنبي عموم الشعب الجزائري من حالة الذهول عن الذات، والانقطاع عن تأثير التعاليم الطاهرة، والروح الإسلامية… وما تكريمنا للشيخ عبد الحميد بن باديس، إلا تكريم للفكرة العبقرية والنزعة الإصلاحية الفلسفية، التي دفعت به فريدًا إلى موقف إحياء التعاليم الإسلامية، في وطن أوشكت شمس الإسلام أن تتقلص في ربوعه”.
لا عجب أن يصدر هذا الثناء المتبادل عن عالمين جليلين في حق بعضهما البعض، لأن تلك هي أخلاق العلماء وديدنهم في الاعتراف بالفضل لأهل الفضل.
أما فيما يخص تهجم بدري بن المنور على الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيسه العالم العامل المجتهد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والتهم الموجهة له فلا يمكننا الخوض في هذا المجال، لأن الشيخ يوسف القرضاوي ـ أطال الله عمره ـ مازال على قيد الحياة وهو أعلم وأقدر على الرد على افتراءات الكاتب بدري بن المنور إن رأى أن فيها ما يستحق عناء الرد!