ما لا تعرفــــون عن (3): الدكتـــور عــــلاوة عمارة

د. الصالح بن سالم
نستضيف اليوم عبر ركن (ما لا تعرفون عن) الدكتور علاوة عمارة أستاذ التاريخ الوسيط بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة. متحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون الفرنسية في تخصص التاريخ الإسلامي الوسيط (2002م)، ويشتغل كباحث مشارك بعدّة مراكز بحث وطنية ودولية منها المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)بفرنسا ومركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والاقتصادية (CRASC) بالجزائر. له أزيد من مئة مقال في مجلات دولية وعربية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والاسبانية بالإضافة إلى مجموعة من المؤلفات المتنوعة بين التاريخ الوسيط والتاريخ المحلي وتاريخ الثورة التحريرية إضافة إلى أعمال أخرى تتعلق بالترجمة والتحقيق.
المتتبع لإنتاج علاوة عمارة يستنتج بأنه يسير تدريجيا نحو الفترة المعاصرة بعيدا عن تخصصه الأول (العصر الوسيط) ألا يؤمن بمسألة التخصص؟
-في الحقيقة ما نشرته عن التاريخ المحلي لحوض السمندو لا يقتصر فقط على الفترة المعاصرة وإنما دراسة عابرة للعصور تمتد إلى أقدم شواهد الاستيطان البشري بالمنطقة. إن أعمالي في التاريخ المحلي تندرج في إطار مشروع بدأته بعد مناقشتي لرسالة الدكتوراه بجامعة باريس الأولى السوربون في عام 2002م، وبدأت نتائجه بنشر كتابي عن منطقة بني حميدان والعديد من الدراسات اللاحقة خصوصا السير المتخصصة للشخصيات التي كان لها تأثيرا في تاريخ حوض السمندو ووضعها في سياق التاريخ الوطني بصفة عامة، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أتقاسم جزء من عبئ هذا المشروع مع الصديق رياض شروانة. إن التخصص لا تصنعه الشهادة، وإنما الأبحاث الرصينة المبنية على المادة المصدرية الأصيلة والمقاربات المنهجية الحديثة بعيدا عن السطحية والأسطرة والأدلجة. هل يمكن أن نطلق كلمة مؤرخ على الذي لا يفرق بين الوثيقة والنص، بين الشهادة والرواية وبين الذاكرة والتاريخ؟ هل يمكن اعتبار مرويات الحكواتي دراسة تاريخية؟
قيل الكثير عن مدرسة التاريخ الجزائرية في رأي علاوة عمارة هل هي موجودة فعلا؟ وإذا كانت غير موجودة هل من بوادر ومؤشرات لنشأتها مستقبلا؟
-إذا كان المقصود بالمدرسة وجود نسق فكري ومنهجي يربط بين الفاعلين في الدراسات التاريخية فلا يمكن في اعتقادي الحديث عن ذلك. أما اذا كان المقصود بذلك هو وجود كتابات تاريخية جزائرية فهذا ممكن الحديث عنه إذا ما رجعنا إلى الميلاد التدريجي للدراسات التاريخية سواء كانت هاوية أو أكاديمية بالنسبة لمرحلة ما بعد الاستقلال. إن المتمعن في الكتابات التي جاءت في السياق الاستعماري – سواء على يد اصلاحيين على غرار الشيخ مبارك براهيمي “الميلي” وأحمد توفيق المدني وعبد الرحمان الجيلالي أو استقلاليين على غرار محمد الشريف ساحلي وأحمد جلول- أو في سياق ما بعد الاستقلال بعدما تحولت إلى الجانب الأكاديمي على يد الجيل الأول بجامعة الجزائر ثم بجامعتي وهران وقسنطينة- يلاحظ تعدد التيارات التاريخية من حيث مقاربتها للماضي بشكل عام دون الوصول إلى تقاليد علمية مكتملة النضج.
ماهي الإضافة التي قدمتها جامعة السوربون لعلاوة عمارة الباحث والانسان؟
-قبل جامعة السوربون، كانت بدايتي مع جامعة بواتييه لفترة قصيرة حيث تحصلت منها على دبلوم الدراسات المعمقة في التاريخ والحضارات قبل الانتقال إلى باريس وتحضير رسالة الدكتوراه بجامعة باريس الأولى- السوربون. الدراسة بهذه الجامعة ليست كبقية الجامعات الفرنسية نظرا للتقاليد البحثية القائمة خصوصا على الحضور بانتظام لحلقات البحث التي يشرف عليها كبار أساتذة التاريخ والتي يتم فيها استضافة الوجوه التاريخية البارزة سواء من العالم الغربي أو حتى من العالم العربي، حيث كانت فرصة الاستماع لأسماء بارزة في الدراسات التاريخية والفكرية والإسلامية وتبادل الحديث معها. لجامعة السوربون ومدينة باريس طابع خاص حيث تمكن الإنسان من الانفتاح على الفكر الإنساني بتنوعاته المختلفة وتتيح له الاستماع وملاقاة كبار الباحثين والمفكرين بمشاربهم المختلفة، وأيضا الاستفادة من مكتبات غنية بمواصفات عالمية معروفة.
منذ أن التحق علاوة عمارة بجامعة الأمير عبد القادر لم يشأ عن يغادرها رغم العروض الكثيرة التي تصله من جامعات أخرى. ما السر في ذلك؟ وهل يفكر في خوض تجربة بالجامعات الخليجية مستقبلا؟
-تلقيت عروض سواء من فرنسا أو من دول الخليج أو حتى على المستوى الوطني لتولي مسؤوليات علمية خارج الجامعة. فكرت في الموضوع كثيرا، لكن الشيء الذي ربطني أكثر بجامعة الأمير عبد القادر هو تواجد سكني بالقرب منها بالدرجة الأولى والاحترام الذي ألقاه من زملائي بالقسم أو حتى من الطلبة بصفة عامة. من السابق لأوانه التفكير في خوض تجربة بجامعة أخرى قبل انهاء مشروع الدراسة التاريخية والمجالية الخاصة بحوض السمندو وبعض الأعمال الأخرى التي تتطلب التركيز والعمل الميداني بالدرجة الأولى، خصوصا وأنه سبق لي وأن خضت تجربة الغربة خلال مرحلة الدراسات العليا.