المدرسة، والمدرسة الموازية…!/ بقلم: أمال السائحي
إن المدرسة اليوم لم تعد تلك المدرسة التي عهدناها، تكفل لطلابها اكتساب العلم والمعرفة والخبرة في جميع مجالاتها، لم تعد تلك المدرسة التي كانت تفتح ذراعيها في أول يوم مدرسي بعد عطلة ارتاحت فيها العقول والأجساد، لتفتح موسما دراسيا جادا ومفعما بالنجاح.
فاليوم تغيرت المفاهيم، وتغير معها التخطيط، وتغيرت المدرسة ككل، من منظومة تربوية، ومن مناهج تعليمية، ومن أساتذة كانوا يقدمون الغالي والنفيس، حتى لا يخرج التلميذ من القسم إلا وهو فاهم للدرس على أتمه، واستوعبه من كل جوانبه؟
ماذا طرأ على مدارسنا اليوم؟ حتى باتت عاجزة عن إشباع طلابها للعلم والمعرفة؟
وما علاقتها بهذه المدارس الموازية، مدارس الدروس الخصوصية؟ تكاثرت كتكاثر الفطر بعد شتاء ماطر؟ إلى أين نتجه؟ وما النتيجة؟ وإلى متى ينهك التلميذ عقليا وجسديا، وينهك الوالدين معنويا وماديا؟
ولماذا لا توجد متابعة ومراقبة تضمن قيام هذه المدارس بما ينتظر منها فعلا؟ فقد بات الكل يقومون بإعطاء هذه الدروس؟ وأصبحت هذه المدارس موازية للمدارس الحكومية ومنافسة لها؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات شافية، ولمعالجة هذه الظاهرة التي استفحلت مؤخرًا، علينا أن نرجعها إلى أسبابها التي أنتجتها، والعوامل التي أسهمت في انتشارها، وفي هذا الصدد تقول إحداهن: إن السبب هو المدرس، لأن التدريس لم يكن بالصورة الصحيحة، ولا غنى للطالب عن الدروس الخصوصية.
في حين قالت إحدى المدرسات: “إن السبب في كثرة الدروس الخصوصية يعود إلى عدم متابعة الأهل للطالب، بسبب انشغالهم بهموم الحياة، وما حدث من ظروف قاسية”. وتقول: “إن الطالب في المرحلة النهائية التي تعد مصيرية بالنسبة له، تراه يلجأ للدروس الخصوصية، لفهم المادة أكثر، وللحصول على أعلى الدرجات”.
وتقول أخرى “إن التكنولوجيا الحديثة التي ظهرت هي السبب الأكبر في ازدياد ظاهرة الدروس الخصوصية، حيث انشغل الطالب بالهاتف النقال، والشبكة العنكبوتية، ونسي واجباته تجاه دراسته ومستقبله؛ فيلجأ إلى الدروس الخصوصية، كي يعوض ما فاته من فهم المادة”.
فيما يقول خالد كمال الخبير التربوي: “غالبا ما يقوم الآباء بالبحث عن وسيلة لتعليم أبنائهم غير المدرسة، والمدهش في الأمر أن الطلاب يقبلون على هذه الدروس، سواء كانوا في التعليم الحكومي )المجاني(، أو حتى المدارس الخاصة! وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على تفاقم حجم المشكلة، حيث تجاوزت موضوع فشل التعليم، لتصبح عادة قوية عند المجتمع من الصعب أن يتحرر منها خلال فترة زمنية قليلة”.
ويضيف: “من الأسباب الرئيسة لانتشار الدروس الخصوصية: نظم التقويم والامتحان المعتمدة على الحفظ الأصم! أو ما يسمى بالتعليم التسلطي، حيث يذاكر الطالب من أجل الامتحان فقط، والاعتماد على دخول الكليات الجيدة إذا ما كانت نسبة المجموع مرتفعة، فأصبح المجتمع كله في سباق محموم، من أجل الحصول على أعلى الدرجات”.
ولا شك أن كل تلك الأسباب هي أسباب محتملة، غير أن هناك من العوامل والمؤثرات التي يمكننا أن نرجحها بقوة، منها ما يلي:
ــ افتقار الأساتذة للتكوين المعرفي والبيداغوجي، مما ارتد سلبا على مستوى أدائهم، فعجزوا عن تبليغ المعارف للتلاميذ، ولم يتمكنوا من استقطاب اهتمامهم وشد انتباههم للدروس فتدنى مستوى التحصيل لديهم.
ــ كثافة المناهج حال بين المدرس وبين التعمق في الدرس والتثبت من وصول المعلومة للتلميذ، إذ بات همه مسابقة الوقت حتى يواكب البرنامج، وينسجم مع المنهاج.
ـ اكتظاظ الأقسام يحول دون سيطرة المعلم على القسم، ويمنعه من تنفيذ المراقبة الدقيقة، التي تكشف عن الأخطاء وتمكنه من التدخل لإصلاحها.
حقا إن هذه قضية جديرة بالدراسة والتأمل، لأن في معرفتنا لأسباب ظهور المدارس الخصوصية وكشفنا للعوامل التي كانت وراء انتشارها، ما يكشف لنا عن أسباب ودواعي فشل التعليم العمومي.