الانتخابات في منظومتنا الثقافية/ التهامي مجوري

الانتخابات في ثقافتنا بالجزائر لها ثلاث صور متنازعة متناثرة متنافرة:
- صورة تمثلها الإدارة والسلطة.
- صورة يمثلها الشعب.
- صورة تمثلها الطبقة السياسية.
فأما الصورة التي تمثلها الإدارة والسلطة، لا تتجاوز في غاياتها البحث عن الشرعية لأفعالها وأقوالها، حيث أن السلطة في كل العالم لا تستطيع أن تمرر مشاريعها بسلاسة إلا في إطار شرعية كاملة، بل لا تستطيع أن تؤثر وتوجه إلا بقدر ما تمتلك هذه السلطة من شرعية داخلية وخارجية. لأن الشرعية هي الخطوة الأولى للمصداقية، والسلطة التي لا مصداقية لها لا لها ولا لمستقبلها.
وأما الصورة التي في نظر الشعب حول الانتخابات، فهي صورة فلكلورية، بما تحمل من مهرجانات وحملات انتخابية، ووعود وخطابات. فالمواطن الجزائري في قرارة نفسه لا يؤمن بشيء اسمه الانتخابات، ولا يهتم بها إلى بقدر ما يشعر بالآثار السلبية عن مستقبله، وقد كشفت لنا وسائل الإعلام عن تصرفات غير لائقة في ذلك، كأن يعلق ذئب ميت على لوحة إشهارية تحمل قوائم انتخابية، أو تشوه صور المترشحين وتمزق شر ممزق، وإلى جانب ذلك تخوف من حرمان متوقع لكل من لم ينتخب، فيحرص المواطن على بطاقة الانتخاب لينتخب على لا شيء؛ لأن المهم عنده هو أن يطبع على وثيقته “انتخب”، وليس المشاركة من عدمها.
والصورة الثالثة: هي الصورة التي في ذهن الطبقة السياسية، التي هي في معظمها لا تهتم بالانتخابات إلا بالقدر الذي يمكنها من الوصول إلى المنصب، ليقترب من دفئه..، وفي الغالب ليس لأنه يملك مشروعا سياسيا يدخل به معترك الحياة، وأغلب هذا الغالب من هؤلاء الباحثين عن دفء المنصب، انتهازيون إذ ما يهمه من الانتخابات هو تحقيق مصالح شخصية مادية عاجلة.
وعندما تكون الانتخابات بهذه الصورة ذات الفروع الثلاثة، فمعنى ذلك أننا نفتقد إلى ثقافة لهذه الانتخابات، ولذلك لا نجد حزبا يترشح في قوائمه الأفضل والأكفأ والأقدر، ولا نجد رئيس بلدية يطمح لأن يترشح أو يرشحه حزبه للرئاسيات مثلا؛ بل بالعكس؛ وجدنا من يتكلم عن بيع المواقع في القوائم الانتخابية، لاسيما في الأحزاب المحظوظة المرشحة بالفوز فيها.
إن الانتخابات في العرف السياسي، تزكية شعبية لمن يرشح نفسه أو يرشحه غيره لمنصب سياسي، ثمرة لمكانته في المجتمع وقدرته وكفاءته، ولما يتمتع به من سمعة طيبة في أوساط الناس محليا ووطنيا، وبتلك التزكية تنشأ الشرعية إن لم تكن موجودة، وتتقوى إذا كانت موجودة وتزداد متانة. بقدر مكانة المرشحين فيها وكفاءتهم وصدقهم في العطاء والإضافة. ومن ثم فإن الانتخابات لا تصنعها الإدارة “ولا تُنَجِّحها السلطة”، وإنما الذي يصنعها وينجحها هما الشعب والمرشح الكفء.
إن واقع انتخاباتنا المحلية والوطنية لم ترتق بعد إلى هذا المستوى المطلوب، بسبب غياب الثقافة السياسية، وثقافة الانتخابات تحديدا، وإنما الواقع بكل أسف اتسعت دوائر السوء فيه إلى مستويات أدنى الصور الثلاث المذكورة، التي غلبت عليها أنانيات الفئات المتناثرة والمتنافرة، حيث أن الإدارة لم يعد يهمها أن تبقى إدارة ناجحة، وإنما أضحت تعتبر أن نجاحها في إنجاح العملية الانتخابية ولو بنسبة ضئيلة من المصداقية، وكذلك الطبقة السياسية لا نجد في برامجها ما يفيد أن لها نية في إصلاح الانتخابات والارتقاء بها لتكون معبرة عن الطموحات الشعبية وإرادة الإصلاح الحقيقية، أما الشعب الذي يئس من الكل لا يحسب له أي حساب، رغم أنه هو الذي يصنع الانتخابات حقا وصدقا، والنتيجة أن لا أحد في بلادنا ينتظر تغيير شيء بمجرد إجراء انتخابات والفوز لفئة ما فيها.