في أهمية النقد والتقويم: نقائصنا المؤرقة/ حسن خليفة
كم هو رائع أن يكون اهتمامنا في جمعية العلماء خاصة باعتدادها أُم الجمعيات، وإحدى الهيئات العلمية ـ الدعوية الكبرى، ثم في مجموع الهيئات العلمية والفكرية والثقافية والإعلامية في بلادنا، أن يكون الاهتمام بالنقائص والسلبيات جديا ودقيقا ومنتظما، فذلك سيقودنا ـ يقينا ـ إلى معرفة مكامن الضعف والخوَر والعجز في مجموع أعمالنا، كما سيعرّفنا بمنسوب النقص في أدائنا وتدبيرنا وتسييرنا لشؤون هيئاتنا ومؤسساتنا. وأول العمل الصالح المفيد، معرفة مكامن الضعف لتجاوزها.
وأكاد أتصوّر أن هذا الأمر أقرب إلى أن يكون واجبا من الواجبات لتحقيق الأهداف المرسومة لكل هيئة وتنظيم: معرفة النقائص أولا بأول، وعلى نحو موضوعي وحقيقي ودقيق؛ بإعمال آلة النقد والتقييم.
إن الكثير من مشكلاتنا ـ في تقديري ـ ينبع من إهمال هذا الجانب، وذلك هو السبب فيما نلحظه عن “اختفاء” النقد في حياتنا، ويتبع اختفاء النقد، ضمور ملمح التقييم، والتقويم والمتابعة، وذلك هو الذي يورّث بقاء الأمور على ما صارت إليه، مع تكرار واجترار لا يفيدان في شيء، إن لم يساعدا في التأخر والتراجع، وهو ما يمكن أن نلحظه في عديد من مشاريعنا وأعمالنا، والنقص الفادح الذي يلحق ويلتصق بما ننجزه.
أعتقد أن من أهم الأعمال التي ينبغي أن نهيئ لها أنفسنا وأنظمتنا وأعمالنا في القريب العاجل، التهيؤ الجاد لممارسة النقد الصريح البنّاء، بما يقرّبنا من معرفة مواطن الخلل ومناطق التقصير، ويحدد لنا بوضوح المسؤولية على ذلك في مختلف لجاننا وبرامجنا وأعمالنا.
لقد كانت اللقاءات المتعددة لشعب الجمعية الجهوية مناسبة جيدة لمعرفة كثير من النقائص عن قرب، بما يقدمه أعضاء الجمعية في شعبها المتعددة من نقد واقتراحات، وقد كان اللقاءان الأخيران في سيدي بلعباس وقسنطينة، تلاهما لقاء العاصمة (الوسط) حقلا مهمّا للاستماع إلى مجموع الهموم و”الانشغالات” التي تؤرق الإخوة العاملين في الميدان. وربما أمكن لي أن أشير، في غير اتهام، إلى بعض من تلك النقائص التي يحسُن أن نعمل على معالجتها:
- مشكلة التواصل في ضعفه وعدم انتظامه بين هياكل الجمعية؛ خاصة بين المكتب الوطني والمكاتب الولائية، ثم الولائية مع البلدية. وبقطع النظر عن المسؤول عن ذلك فإن الإشكال قائم تجب معالجته بأفضل ما يكون من الوسائل والأدوات والآليات. وقوانين الجمعية ونظامها تَنصّ على تفعيل هذه الآلية التواصلية بوسائل متعددة. فلمَ هذا الإشكال؟ لا بد من حلّ حقيقي يسمح للجمعية بأن تكون مؤسسة متكاملة الأطراف، والأهداف قوية في اتصالها وتواصلها وتفاعلها.
- مشكلة تفعيل الكتلة النسوية في الجمعية وهي بحجم محترم كبير عددا وعُدّة، ولكنه لا يلقى العناية ولا الاهتمام المطلوب، من حيث استثماره في مجال الإصلاح والدعوة والريادة والعمل النبيل. والمطلوب هو احتضان هذا العمل الحضاري وتفعيله وتصريف الجهود فيه إلى ما يحقق نهضة المجتمع، في الجانب النسوي بصفة عامة، وفي جانب صنع قيادات نسائية: فكرية/ دعوية/ تربوية فائقة الفعل والتأثير؛ خاصة ونحن نلحظ هذا الزحف “الأنثوي” على كثير من ميادين العمل والنشاط: التربية، الجامعات، الصحة، الإرشاد والتوجيه…إلخ.
- الضعف الاتصالي السابق الذكر يتبعه ضعف في المجال الإعلامي؛ حيث نلحظ ـ للأسف ـ ذلك الإهمال المتعمّد والتقصير غير المبرر من كثير من الشعب (ومن الأعضاء) في احتضان إعلام الجمعية القائم، فضلا عن دفعه ودعمه وتطويره. وقد تحدثنا مرارا عن مثل هذه الأمور، وقدّمنا ما يسمح للجمعية بأن تكون ذات آثار إعلامية بعيدة المدى، لو التفّ الصادقون والفاعلون من أبنائها وبناتها، وأدركوا حجم التحدي في مضمار الإعلام الذي يصنعُ الرأي ويؤثر في الجمهور ويقدم الحقائق ناصعة للناس، بدلا من سيول الكذب والأغاليط والضلالات التي ينشرها الإعلام المعتلّ.
ولعله من المفيد أن أشير إلى هذا الملمح المتصل بالنقد الذاتي واستشعار النقائص وكيف كان أصلا من أصول العمل عند الرواد الأوائل للجمعية، فهذا الإمام الإبراهيمي يكتب عن ذلك قبل عقود من الزمن ويقول بوضوح متحدثا عن “نقائصنا”.
“وإن من نقائصِنا المتصلةِ بحالتِنا العلمية الحاضرة ثلاثًا لا كمالَ معها، هذه النقائصُ الثلاث هي:
- ضعفُ الميل إلى التخصص.
- ضعف الميلِ إلى الابتكار.
- الكسَل عن المطالَعة.
ـ وإذا كانت الأُولَيَانِ متعسرتينِ لفَقْدِ دواعيهما، فإن الثالثةَ أقربُ إلى الإمكان.
الحق أقول: “إن شبابَنا المتعلِّم كسُولٌ عن المطالَعة، والمطالَعةُ نصف العلم أو ثُلثاه، فأوصيكم يا شباب الخيرِ بإدمان المطالَعة، والإنكباب عليها، ولتكنْ مطالَعتُكم بانتظامٍ؛ حرصًا على الوقت أن يَضيعَ في غير طائلٍ”. )الآثار: 1/154).