الذكرى 90 لتأسيس جمعية العلماء الـمسلمين الجزائرييــــن
أ. أمال السائحي
تطل علينا ذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين، 05 ماي 1931م/05 ماي 2021، وإنّ الغاية المتوخاة من إحياء تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إنما هي رفع آيات الشكر لله وذلك بشكر رواد هذه الجمعية ورجالها، بالتذكير بأعمالهم وإنجازاتهم فكما قِيل: من لم يشكر النّاس لم يشكر الله، فرجال هذه الجمعية الميمونة قد تداعوا من كل حدب وصوب سنة 1931م ليؤسسوها ويُفندوا بتأسيسها بطريقة عملية ادعاء فرنسا في احتفالها المئوي الذي أقامته سنة 1931 بقسنطينة، احتفاء بمرور مائة عام على احتلالها للجزائر، وزعْمِ أحد جنرالاتهم يومئذ انتصار الصليب على الهلال، ودحر الإسلام في أرضه، فكان تأسيس الجمعية صرخة في وجهه، تُعلن بها الجزائر لفرنسا خاصة، وللعالم عامة، أن الجزائر مسلمة وما زالت و ستظل كذلك إلى أن يرِث الله الأرض ومن عليها، وليست تلك هي المأثرة الوحيدة لهذه الجمعية الميمونة، فإليها يرجع الفضل في مقاومة سياسة التنصير التي اعتمدها المستعمر للقضاء قضاءا مبرما على الإسلام في أرضه، لا حبا في المسيحية، وإيمانا بها، وإنمّا لاقتناعه الأكيد بأثر الإسلام في مقاومة وجوده في الجزائر.
لقد أدرك رائد النهضة الفكرية الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس –رحمه الله – ذلك العالم الفذ والعلامة الجهبذ والمصلح الفريد الذي أدرك بحق مغزى قول الإمام مالك بن أنس رحمه: “لا يصلحُ آخر هذه الأمة إلاّ بما صلح به أولها”، مما جعله يستلهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في بعث هذه الجمعية من عدم، ليردّ من خلالها الشعب الجزائري إلى منابع الدين الإسلامي الصحيح، ففسر لهم القرآن، وشرح لهم السنة، وحملهم على العمل بهما، في بعث هذه الجمعية من عدم..
وحثهم عبر المجالس التي كان يعقدها، والمقالات التي يكتبها، والدروس التي كان يُلقيها، على الأخذ بأسباب الحياة الكريمة الشريفة، والتمسك بها ومجاراة العصر في تطوره ورقيه، وتحمل مسؤولياتهم قِبَل أنفسهم، وقِبَل وطنهم، بمثل قوله: “حافظ على عقلك فهو النور الإلهي الذي مُنِحته لتهتدي به إلى طريق السعادة في حياتك فاحذر كل (مُتعيلٍم) يُزهِّدُك في علم من العلوم، فإن العلوم كلها أثمرتها العقول لخدمة الإنسانية ودعا لها القرآن بالآيات الصريحة: “حافظ على حياتك ولا حياة لك إلاّ بحياة قومك ووطنك ودينك ولغتك وجميل عاداتك، وإذا أردت الحياة لهذا كله فكن ابن وقتك، تسير مع العصر الذي أنت فيه بما يناسب أسباب الحياة وطرق المعاشرة، والتعامل، كن عصريا في فكرك، وفي تعاملك، وتجارتك، وصناعتك، وفلاحتك، و في تمدنك، ورقيك…”.
كما بصّرهم بواجبهم نحو وطنهم فقال: “والنسبة للوطن توجب علمَ تاريخه، والقيام بواجباته، من نهضة علمية، واقتصادية، وعمرانية، والمحافظة على شرف اسمه و سمعة بنيه، فلا شرف لمن لا يحافظ على شرف وطنه، و لا سمعة لمن لا سمعة لقومه “.
كما دعا إلى تعليم المرأة، والعناية بها، فقال بمناسبة الرد على دعاة السفور “أنتم تفكرون في نزع حجابها وخلطها بالمجتمعات….إذا أردتم الإصلاح الحقيقي فارفعوا حجاب الجهل عن عقلها قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها، فإن حجاب الجهل هو الذي أخرها، فأما حجاب الستر فإنه ما ضرها في زمان تقدمها، فقد بلغت بنات بغداد، وبنات قرطبة، وبنات بجاية، مكانا عليا في العلم وهن متحجبات”.
كما بادر رئيسها الثاني الإمام محمد البشير الإبراهيمي ورفيقه الشيخ الفضيل الورتلاني وقد كانا بالقاهرة فور سماعهما باندلاع الثورة التحريرية، إلى إصدار نداءين كان أحدهما يوم 3 نوفمبر 1954، وثانيهما يوم 15 نوفمبر 1954، يدعوان فيهما الشعب إلى مناصرة الثورة واعتبار الكفاح المسلح جهادا دينيا لتحرير الجزائر أرض الإسلام من الاستعمار الفرنسي النصراني لها..
وكما نهض الإمام الشهيد محمد العربي التبسي صاحب القبر المجهول، نائب رئيس الجمعية و مدير معهد عبد الحميد بن باديس لينافح عن حق شعبه في الحرية و الاستقلال ويتصدى لمؤامرات الاستعمار الفرنسي لمحاصرة الثورة، فوضع هو والأستاذ توفيق المدني جريدة: ” البصائر” لسان حال جمعية العلماء تحت تصرف الثورة تعبر عن رأيها وتحاجج خصومها…
ولعل فيما ذكرناه من مآثر ما يؤكد لناشئة اليوم أن الجزائر خاصة، والأمة العربية والإسلامية عامة، أمة معطاءة، وأن رجالها لا يقلون عبقرية عن غيرهم من أبناء الأمم الأخرى، ويدركون أيضا أن الإسلام لم يكن في يوم مُعطِلا للطاقات، أو حائلا دون تحقيق الطموحات، بل إنه من حسن فقهنا لتعاليمه السمحة أن نعمل بحديث نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها فهو أحق بها” .
فالإسلام إذا كان ضد التفسخ والذوبان في الغير، فهو أيضا ضد التقوقع والتحجر والجمود، ومن ثمة فإن المسلم الحق لا يرى صراعا بين الأصالة والمعاصرة وإنمّا يرى انسجاما بينهما وتناغما يُفضي إلى واقعٍ أمثل ويدفع إلى مستقبلٍ أفضل بإذن الله.