جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومعوقات الهوية الوطنية (النزعة البربرية نموذجا)/سيفاوي عبداللطيف
أدركت جمعية العلماء المسلمين الجزائيين مبكرا وجود النزعة البربرية الاستعمارية وأخطارها، كسياسة تستهدف ضرب الهوية الجزائرية في العمق من خلال استغلال البعد البربري.
يؤكد علي مراد في دراسته عن الحركة الإصلاحية في الجزائر، أنّ الحركة الباديسية لم تتنكر للبعد البربري كحقيقة تاريخية واجتماعية وثقافية.
ومن الطبيعي أن تتفطن الجمعية لتلك السياسة الاستعمارية وأن تواجهها بقوة بحكم أنها مرتبطة بالمجال الذي أختارته أساسا لاهتماماتها وهو قضية إحياء مقومات هذه الأمة من دين ولغة وتاريخ والدفاع عنها، ومواجهة الخطط الفرنسية التي تعمل على طمسها.
إنّ الطابع النخبوي لقيادات جمعية العلماء كان دون شك من العوامل التي ساعدتها على إدراك طبيعة التحدي الذي كانت تمثله السياسة الفرنسية في هذا المجال والذي كان يمثل جزءا من سياسة أشمل للمستعمر سخر لها كل الوسائل البشرية والمادية لكي تتحقيق.
كما أنّ الطابع الوطني لجمعية العلماء، والذي كان حريصا على أن تكون كل مناطق البلد ممثلة بعلمائها في هيآتها الممثلة لها كان عاملا مهما مكنها من أن تتابع عن قرب حالة الإسلام واللغة العربية في كل أنحاء الوطن بما فيها منطقة القبائل –زواوة-التي كانت محل سياسة استثنائية من قبل المستعمر.
ولكن من الواضح أنّ جمعية العلماء لم تختزل المخاطر التي تهدد الهوية الجزائرية في إشكالية النزعة البربرية، فهي كانت فيما يبدو مدركة أنّ الإشكالية أعقد وأشمل، وأنّ النزعة البربرية مظهر من مظاهر تلك السياسة الاستعمارية الشاملة وجزء لا يتجزأ منها.
ولذلك فإنّنا لا نلاحظ في أدبيات جمعية العلماء وما نشر حول الموضوع في البصائر والشهاب ما يدل على اهتمام خاص بالمسألة كمسألة تمثل أم المشكلات وهذا على عكس ما قد يشعر به البعض عند قراءة جريدة الشاب المسلم.
لكن من المؤكد أنّ الجمعية لم تهون من تلك المشكلة الجزئية، بل أولتها الاهتمام الذي يتناسب مع طبيعة وحجم المخاطر التي تمثلها في اعتقادها وفي تلك المرحلة.
فالجمعية في منطلقاتها الفكرية أعتبرت ما يهدد الجزائريين في هويتهم هو دينهم واللغة العربية، أي العنصران اللذان يجعلان من الجزائري يختلف عن الفرنسي ويجعلان من الأمة الجزائرية غير الأمة الفرنسية فأعتبرت أن السلاح الأقوى الذي به يمكن إفشال المخطط الفرنسي هو الحفاظ على تلك المقومات والاستماتة في الدفاع عنها.
أمّا البعد البربري، ودون أن تنكره، لم يرتق عند جمعية العلماء إلى مستوى يجعل منه مقوما في نفس الدرجة من القوة والفعالية والشرعية من المقومين الرئيسيين، اللذين هما العربية والإسلام.
ويمكن تبرير ذلك، وفي تلك المرحلة بعوامل عدة أهمها:
1- أنّ الصراع بين الحركة الوطنية والمستعمر فيما يخص الهوية الجزائرية كان يتمحور حول الإسلام واللغة العربية، أمّا البربرية فكانت بالنسبة للمستعمر البعد الوحيد الذي لا تتحرج منه، بل تعمل على التأكيد عليه لتجعل منه بعدا مضعفا ومشككا للبعدين اللذين اعتمدتهما الحركة الوطنية، وهو البعدين الإسلامي والعربي أكثر من أي بعد أخر في الحركة الوطنية.
2- إنّ طبيعة تكوين قيادة الجمعية الذي هو تكوين إسلامي في التصورات وفي نظرته للأمور، كان لا يزال متمسكا بالتصور الإسلامي لهوية المجتمع المسلم وهو الإسلام والإسلام وحده، ووفق هذا التصور فإن طرح اللغة العربية كمقوم أساسي هو من باب ارتباط اللغة العربية بالقرآن والدين وليس كلغة مرتبطة بالجنس العربي، وهو الأمر الذي تختلف فيه عن التوجه القومي المجرد الذي تبناه اليسار العربي ردحا من الزمن،. كما أنّ التركيز على البعد البربري كان لا محالة يصطدم مع التصور العام الإسلام التقليدي حول المسألة العرقية، والتاريخ كما كان يقول البشير الإبراهيمي»لم يعرف دينًا من الأديان لم يبق على أساس الجنسية ولم يرجع على قواعدها إلا دين الإسلام فهو لا يختصّ بجنس، وهو صالح لكل جنس وهو موافق لكل فطرة وهو ملائم لكل نفس )الآثار ج1 ص 108(.
والسؤال المطروح هو هل جمعية العلماء طرحت العروبة بالمفهوم الثقافي أو تعدته إلى مفهومه العرقي القومي؟
فالعروبة المطروحة عند جمعية العلماء هي عروبة ثقافية وليست عروبة جنسيه وبالتالي فإنّ العروبة من هذا المنظور لا تلغي البعد البربري ولا تتناقض معه.
وفي هذه النقطة بالذات، فإذا رجعنا إلى مقالات ابن باديس المنظر الأول لجمعية العلماء والواضع لأهم أسسها وتوجهاتها فالمسألة واضحة كل الوضوح.