من وحي الذكرى التسعين لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
أ. لخضر لقدي/
بالعلماء تصلح الدّيار وتُعمر الأمصار ويُكبت الأشرار، وإذا كان من صميم دور العالم: التعليم والنصح والإرشاد وقول الحق وتبصير الناس، فإن من أولوياته كشف زيف الباطل وأهله، ومقاومة الظلم ودحره.
وحفظا لود علماء الجمعية، واعترافا بفضلهم وتعريفا بهم لخلفهم، وبمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 5 ماي 1931 أريد أن أشير إلى أن أمورا تتعلق بواجبنا نحو علماء الجمعية الذين ظلموا مرتين، مرة من فرنسا وأعوانها، وثانية ممن أعماهم وأصمهم وأبكمهم الكبر العلمي، أو الاصطفاف الإيديولوجي:
– إن ميلاد وعمل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جاء في ظروف تاريخية وسياسية قاسية، فبعد مرور قرن على استعمار فرنسا للجزائر وجد الشعب نفسه مكبلا بقيود الاستعمار وفي عزلة ثقافية وسياسية وفي انحطاط خلقي واقتصادي وثقافي، تميز باستغلال الخيرات وحرمان أهل الأرض منها مع تشويه لدين الجزائريين ومحاربة لقيمهم الوطنية وطمس لتاريخهم المجيد…وفي مثل هذه الظروف الحالكة القاسية كان ميلاد الجمعية المبارك.
– فهل سكت ابن باديس وهل صمت الإبراهيمي أم هل استكان رجال الجمعية كلا وألف كلا، فإذا كان الاستعمار قد نجح في تكميم أفواه البعض بالتخويف تارة وبالترغيب أخرى، فإنه لم ينجح في إسكات رجال الجمعية، وإنك لتعجب من إصرار الشيخ ابن باديس (والثلة معه) واستماته في التعليم والبيان.
ومن طالع جهوده التعلمية التي كانت موزعة على ساعات النهار دون كلل ولا ملل، أو اطلع على جهوده الصحفية والعناوين التي كان ينشئها وجمعيات الكشافة التي كان يرعاها والنوادي الرياضية التي حضر حفل تأسيسها وسماها بنفسه (مولودية قسنطينة نسبة للمولد النبوي) عرف كيف كان الشيخ يقاوم الاستعمار بالعلم والعمل وتحرير العقول وتنويع الوسائل والبدائل.
– إن مما ساءني ويسوء كل غيور ذلك الغمز واللمز الذي صدر من بعض رجال الثورة وبعض الموتورين حول تخلف رجال الجمعية عنها، ووالله إنها لفرية وكذب واختلاق .
فهل غاب عن هؤلاء أول بيان في 2 نوفمبر 1954 من إمضاء رئيس الجمعية الشّيخ مُحَمَّد البشير الإبراهيمي ومندوبها الشّيخ الفضيل الورتلاني، عنوانه: مبادئ الثورة في الجزائر، وزع على الصحافة المصرية ووكالات الأنباء العالمية، ثم تلاه – بيان ثان في 3 نوفمبر 1954 أمضاء الشّيخ الورثلاني، ونشره في الصحف المصرية وغيرها بعنوان: إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر اليوم حياة أو موت بقاء أو فناء.
أما ابن باديس رحمه الله فالحديث عن ثوريته شيق ممزوج بالبطولة والشهامة، فقد أثر عنه أنه رد على الوزير الفرنسي أن لدينا مدافع أطول و «إنها مدافع الله» وذلك عندما هدد الوزير الفرنسي، في وفد المؤتمر الإسلامي سنة 1936م بأن «لدى فرنسا مدافع طويلة» .
وحدثنا الشيخ عبد المالك أمقران رحمه الله أن الشيخ ابن باديس رحمه الله كان يتمنى أن يقوم الجهاد ضد فرنسا ويحدد له قمم جبال الأوراس.
وذكر الباحث عبد الكريم صفصاف رحمه أنه في سنة 1937م بعد تأسيس حزب الشعب الجزائري، قال ابن باديس لزملائه العلماء في إحدى جلسات السمر، معقّبا على كلام أحد الحاضرين بخصوص أهداف حزب الشعب: لعنة الله على من لا يعمل للاستقلال، إننا نعمل للاستقلال بالطرق الناجعة، والمفيدة، أما الدعوة إليه مع الجهل فإنها تخيب ولا تنجح، لأن السلطة الفرنسية تجد مبتغاها مع الجاهلين، إذ يسهل عليها تفريقهم عن الداعي.
وهو القائل:” إن الاستقلال حق طبيعي لكل أمة من أمم الدنيا، وقد استقلت أمم دوننا في القوة، والعلم، والمنفعة، والحضارة، ولسنا من الذين يدّعون علم الغيب مع الله، ويقولون أن حالة الجزائر الحاضرة ستدوم إلى الأبد، فكلما تقلّبت الجزائر مع التاريخ فمن الممكن أنها تزداد تقلّبا مع التاريخ وليس من العسير، بل إنه من الممكن أن يأتي يوم تبلغ فيه الجزائر درجة عالية من الرقي المادي والأدبي، وتتغير فيه السياسة الاستعمارية عامة والفرنسية خاصة، وتصبح البلاد الجزائرية مستقلة استقلالا واسعا تعتمد عليه فرنسا اعتماد الحر على الحر”.
وقد كان عمل الجمعية أهم إعداد، وكان الكثير من طلبة ورجال الجمعية وقودا للثورة ومن شهدائها.
أخيرا أذكر أننا في مدينة بوسعادة العامرة الزاهرة وفي أواخر ربيع 1991 أقمنا أسبوعا للتعريف بالجمعية بمناسبة مرور ستين عاما على تأسيسها، دعونا له من بقي حيا من رجالها فحضر من الشيوخ: علي المغربي، موسى الأحمدي نوويات، زهير الزاهري، محمد الصالح رمضان،عمار مطاطلة، حمزة بوكوشة، محمد صالح الصديق، أحمد الأطرش السنوسي، محمد الطاهر فضلاء، ومن الأساتذة المحاضرين السائرين على الدرب: د.عبد الرزراق قسوم، أ. محمد الهادي الحسني، مصطفى العشوي، والمرحوم أ. خالد اقويدري، وغيرهم، وأذكر أننا دعونا الشيخ أحمد سحنون رحمه الله ولكنه اعتذر للمرض، ووجهنا دعوة للشيخ حماني رحمه الله فاعتذر لانشغاله برئاسة المجلس الإسلامي الأعلى.
ومما علق في الذاكرة مما لا ينسى أنه عندما التقى الجميع في دار الضيافة بكى بعضهم دموعا لأنه يرى رفاق دربه لأول بعد الاستقلال، ولأنهم همشوا ولم يلتفت إليهم أحد، إلا ما كان من ذلك الجهد القليل الذي نراه واجبا ودينا علينا لذلك السلف الصالح الذين تفتخر بهم الجزائر كما يفتخر بهم العالم رحمهم الله.