جمعية العلماء مشروع الأمس واليوم؟
أ. عبد القادر قلاتي/
تسعون سنة في حركة التاريخ عمر قصير، لكنّها في ميزان حركات التغيير والنهوض الحضاري، مدة طويلة، لم تأخذ منها جمعية العلماء إلاّ سنوات قليلة حتى ظهر ثمار جهادها وأينع، وتحوّل وجه ذلك الشعب المقهور بسياسات الاستعمار المتتالية، إلى حالة من الوعي وبُعد النّظر، وتجلى أمام ناظره مستقبله المنشود، وتبدد اليأس المعهود وبرز الأمل المعقود على البذل والعطاء والنّضال والتضحية، تجسد نتاج ذلك -بعد سنوات قليلة – في خوض معركة فاصلة بين الحق والباطل، بينت للعالم أجمع أنّ لهذا الشعب مرجعيته الحضارية، التي لا يمكن لفرنسا ومشروعها الاستعماري الانتصار عليها، ومحو آثارها في الوعي والفكر والسلوك، ولأن معركة الوجود والتحرر الحقيقي ما زالت قائمة؛ فإنّ مشروع جمعية العلماء سيظلّ حارساً لقيم هذه البلاد وثقافتها ودينها، وكلّ ما يؤكد حقيقة انتمائها الحضاري.
ليست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، جماعة من الجماعات الإسلامية التي تملأ الساحة الإسلامية، كما أنّها ليست حزباً سياسياً تسنده منظومة فكرية تؤطر مساره ونضاله اليومي المحدود، إنمّا هي رؤية يرفدها مشروع واضح المعالم جاء في لحظة تاريخية من تاريخ أمتنا المعاصر، ليعيد صياغة تشكيل العقل الإسلامي الذي اسكتال إلى الدعة والخمول، وركن إلى زاوية من زوايا النسيان، فغاب دوره وانتكس وعي حامله، وفقد بوصلة انتمائه إلى الدائرة الحضارية المستقلة عن المشروع الاستعماري الغربي، فكانت مهمة صعبة المنال أمام سطوة هذا مشروع الاستعماري الاستطاني الغاشم.
إنّ البناء الفكري الذي أبدع معالمه الشيخ عبد الحميد ابن باديس، وأصحابه من السادة العلماء يؤكد صوابية الرؤية التي استند إليها -الشيخ ابن باديس – فقد أكدت هذه الرؤية على فكرة البناء، بناء الإنسان الذي يصنع المجتمع والدولة، فاتجهت الجهود التأسيسية إلى التربية والتعليم، فتمّ فتح المدارس والنوادي، ونشر العلم بين النّاس، وتصحيح المفاهيم القائمة على جدلية الوجود والإنسان والتاريخ، حيث تتضافر الجهود لبناء إنسان الحضارة، الذي فَقدَ فاعليته في ظلّ تخليه عن دوره الحضاري، وهذا ما يفسر سقوط العالم الإسلامي فريسة سائغة أمام جحافل الجيوش الأوروبية عندما جاء المشروع الاستعماري الغربي إلى العالم الإسلامي.
لقد أدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورها في صناعة الوعي بحقيقة الانتماء الحضاري للدائرة الإسلامية، وأعادت ربط الإنسان الجزائري بدوره في التاريخ، وما تزال تقوم بالوظيفة نفسها اليوم، -رغم ما تتعرض إليه من تشويه لمسارها الإصلاحي منذ النشأة الأولى – ومؤكدة حقيقة واحدة أنهّا مشروعها سيظلّ رافدا من روافد الوطنية الجزائرية، التي تشترك جميعها في الدفاع عن قيم ومبادئ هذا الشعب الذي ارتبط بمشروع الجمعية الإصلاحي، وسيظلّ وفياً له، ولعلّ الواقع يؤكد هذه الحقيقة ويجسد مظاهرها يومياً في كلّ المناسبات التي تشهدها مختلف ولايات الوطن، فكلّ عام وجمعيتنا بخير، وبلادنا بألف ألف خير.