قضايا و آراء

الهامش والمتن: سياحة على ضفاف القرآن2

أ. عبد القادر قلاتي/

2- محاولة القراءة
اكتشفت حين محاولة القراءة، أنني أعيش لحظة -ربما يعيشها غيري – أجهل فيها تماما عالم هذا الكتاب، فيحدث عندي انفصال حيال اللغة الحاملة لمدلول الكتاب، في شكل اضطراب مسكون بالجهل بعوالم هذه اللغة المخصوصة، فتتحول قدراتي الذهنية والشعورية إلى حالة من الرهبة والسكون، تصيبني بالرغبة في الانسحاب، وعدم خوض التجربة، أنا الذي قرأت القرآن الكريم وحفظته صغيراً؛ مكتوباً على اللوح ومسموعاً من أشهر قرائه، فتعود بي الذكرة إلى تلك اللحظة الزمانية، عندما كنت أملك الشجاعة الكافية في خوض تجربة الاقتراب من هذا العالم، عالم الكتاب المقروء، لكنها -استدرك – تجربة مفصولة مقطوعة لا تنتمي إلى عالم القراءة إلاّ بانتمائها إلى الهامش، هامش الكتاب، فيعود الإحساس بجهل عالمه ينتابني من جديد، وأتساءل من -جديد – هل قرأت القرآن من قبل؟ هل أعرف جوهره ومدلوله ومقاصده؟ فأجد الجواب يتسرب إلى وعي الداخلي، أنّ علاقتي بالقرآن علاقة بالهامش، أما المتن فما يزال -عندي – محفوفا بالمخاطر التي دونها حرب مع النّفس والفكر والذكر، وأنا أدرك أنني قاصر على خوضها، أو حتى محاولة الخوض فيها.
ما أحاول عرضه من أحوالي مع القرآن حين محاولة القراءة في شهر النزول، ليس فذلكة لغة، أوفلسفة مقصورة على جرد للألفاظ والمفردات كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم، لكنني -والله شاهد على ما أقول – أنقل بأمانة مطلقة ما أعيشه خلال شهر رمضان مع القرآن الكريم، الذي أحاول أن أقرأه بحالة مختلفة عن تلك التي أقرؤه فيه خلال سائر الشهور، حيث يكون التعامل معه خاضعا إلى تقليد ورثناه من تربية دينية، تغلب فيها المظاهر، وتغيب فيها البواطن، فتتحول تلك القراءة إلى مجرد روتين يومي خارج الزمان والمكان، تغيب فيه حتى معاني العبودية التي ترفد ذلك الجهد المبذول من القراءة والترتيل لمعانيه السامقة، فتكون القراءة مشابهة لأيّ قراءة في كتاب عاديّ، العلاقة معه لا تخرج عن سحب المعلومة التي احتواها وتنتهي بمجرد قراءة الخاتمة، أما قراءة القرآن في شهر النزول، فهي مختلفة عن أي قراءة في غيره، لأنهّا قراءة تستحضر لحظة الانبلاج الأولى لخطاب صادر في حدود اللغة المعهودة في ذلك الزمان -لكنها لغة متعالية فوق/ تاريخية – أعجزت فصحاء العرب وشعراءهم من مبدعي الأساليب وصناع الألفاظ والمفردات.
استحضر كلّ هذه المعاني -رغم ضعفي وعدم قدرتي على التحكم الواسع بهذه اللغة التي احتوت هذا الخطاب – لكنني –أيضا- استحضر معنى التلقي العقلي والروحي لهذا النّص الخالد، استئناساً بنصيحة والد شاعر الإسلام الكبير محمد اقبال: «بني اقرأ القرآن كأنّه أنزل عليك»، فأتكلَّف لحظة التفاعل مع الكلمة والآية والآيات، بحثاً عن سياق عام يشملها، فأجد كلّ موضوع يحتاج إلى رابط يجعله في حاجة إلى موضوع آخر، لتكتمل صورة الموضوع كاملاً، وهكذا كلّما اكتمل موضوع، وظهر بيانه، ظهرت تفاصيل أخرى في ثنايا القراءة، توقف حدود البيان، ليستجدّ النّظر من جديد بحثاً عن السياق العام حتى لا تنقطع حبات سلسلة الموضوعات التي تغطي جسم الكتاب، فأستسلم لعجزي عن الانخراط التام في ثنايا قراءة المتن، فأعود للهامش مرتلاً ومجوداً بحثاً عن ثواب القراءة المخصوصة بمنطق التعبد والعبادة. وللحدث بقية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com