غـــزوة بــدر وأســبـــاب النصـــــر ودعــــوة الـمسلمـــين إلى طريــــق العــــزة
الشيخ محمد مكركب أبران/
رمضان مدرسة الصبر والثبات، مدرسة تزكية النفس وترقية الشخصية والتدريب على تحقيق الإنجازات، أو قل إن شهر الصيام شهر تنمية الرجولة والبطولة والمبادرات، فالصوم شُرِعَ ليكونَ عاملَ قوة للصائمين، وسبب نصر للمجاهدين، وموسم إنتاج للعاملين، ولكن العاجزين حولوا معيشتهم في رمضان إلى كسل وخمول، وإلى ضعف وتعطيل وذُبُول، حتى فَهِمَ خَطَأً بعضُ الناس أن الصوم سببٌ في تعطيل الأعمال في رمضان، وقالوا: إن الصوم يُضْعِفُ الإنسان، ويمنعه من الدراسة والزراعة، ويحد من نشاطه، وغير ذلك من الفهم الخاطئ.
في حين أن رمضان عند العباقرة العظام كان موسم الدعوة إلى الله تعالى، وبناء المشاريع الحضارية، وإعداد وتحقيق المنجزات الكبرى لحفظ كيان الدولة، وتحرير الأمة من التبعية لغير المسلمين.
ومن بين الإنجازات العظيمة في تاريخ السيرة النبوية في رمضان، غزوتان كبيرتان هما غزوة بدر الكبرى، وهي المعروفة، بغزوة بدر الثانية، أو يوم الفرقان، في يوم 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة.. والغزوة الثانية التي حدثت في رمضان أيضا، غزوة الفتح المبين. فتح مكة المكرمة، في اليوم العشرين من رمضان السنة الثامنة للهجرة.
1 ـ لماذا كانت الغزوات؟ لقد بين الله تبارك وتعالى الغايات والمقاصد من الغزوات التي يتساءل كثير من الناس عن سببها، بقولهم: لماذا قام النبي عليه الصلاة والسلام بالغزوات والقتال في سبيل الله، ولماذا سارت مواكب الدعوة شرقا وغربا، يدعون الناس إلى الإسلام، ويقاتلون من اعترض طريق الدعاة والفاتحين؟ قال الله تعالى:﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال:7/8] وهذه الآيات نزلت بسبب غزوة بدر، والتي قد يتساءل أحدهم عن سببها، لماذا كان المسلمون يريدون القافلة التجارية؟ وربما في ظن وسوء فهم بعض الناس أن ذلك اعتداء على تجارة وأموال أهل مكة يومها؟
إن الكافرين والمشركين من قريش ومن أعانهم هم الذين بدأوا بالاعتداء أخرجوا النبي عليه الصلاة والسلام، من مكة، واستولوا على مساكن وأموال المهاجرين ظلما وباطلا، كما فعل اليهود المحتلون في فلسطين الذين اغتصبوا الأرض والمساكن ورَحّلوا أهل الأرض إلى خارج فلسطين، وتركوهم في المحتشدات والمخيمات للفقر، فهل من يقاتل المحتلين الظالمين أو يريد أخذ ما جمعوه من ممتلكات المسلمين هل يعتبر معتديا،؟ إن المسلمين أرادوا أخذ القافلة التجارية أي يريدون استرداد ما اغتصبه المشركون منهم، يقاتلون من أجل استرداد حقوقهم.
كما بين الله تعالى سبب فريضة الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، وأنه اختبار ليعلم الله الذين جاهدوا بصدق، وصبروا طاعة وحبا وإخلاصا لله عز وجل. قال الله تعالى:﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ﴾[النساء:75] ومن أهداف الغزوات والفتوحات وكل القتال في سبيل الله، إخراج الناس من ظلمة الوثنية، والجاهلية، إلى نور الإيمان، وهذا رحمة بالناس، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده لاشريك له.
وسبحان الله العظيم فإنه من يقرأ السيرة النبوية بمفاتيح التدبر، والتحليل النفسي والسياسي بمفهوم الإيمان، يجد البرهان فيما يشهد به التاريخ مما لا ينكره إلا معاند مكابر جاحد، أو ملحد مضل حاقد. يجد البرهان بأن النبي عليه الصلاة والسلام عندما بعث بمكة لم يرفع السيف في وجوه القوم، ولا حرض على ذلك، وظل ثلاث عشرة سنة يدعو الناس، وهم يصفونه بالكذاب والكاهن والساحر، وهو صابر، يشتم ويضرب ويؤذى هو عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم، وحوصروا ثلاث سنوات، وهم صابرون، وذهب إلى الطائف يدعوهم بالرفق واللين فقابلوه بالسب والحجارة، ثم يجتمعون، ومعهم الشيطان ويتفق صناديدهم وزعماؤهم على اغتياله بطريقة شيطانية، والنبي صلى الله عليه وسلم، لم يرفع عليهم سلاحا، ولا أمر أصحابه بذلك.
أبعد كل هذا يقول المعاندون والملحدون: لماذا ينزل القرآن عليه يأمره بالقتال في سبيل الله سبحانه وتعالى؟؟ أين العقول؟ وقد شهد الله تعالى وكفى بالله شهيدا أن المسلمين لَمَّا ظُلِموا أذن لهم بالقتال. فما كان من الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته إلا أن جمعوا أمرهم، وَوَحَّدُوا صفوفهم، وعزموا على إقامة دولة الحق بالمدينة المنورة. فقرروا بإذن الله تعالى متوكلين عليه سبحانه، أن يدافعوا عن دولتهم جهادا في سبيل الله تعالى.
2 ـ غزوة بدر وأسباب النصر:
ودار الزمان بأمر الله تعالى دورته وجاء رمضان السنة الثانية للهجرة، وانتصف الشهر، وجاءت الأخبار إلى النبي المختار بأن أكبر قافلة تجارية لقريش في التاريخ، عائدة من الشام إلى مكة وستمر بناحية المدينة، وهذه فرصة لاسترداد الحقوق، والأهم من هذا ليعلم أهل مكة يومها وجميع العرب والفرس والروم أن في المدينة دولة، قوية وتدافع عن كيانها ووطنها وسيادتها هي دولة الإسلام، ولو كانوا في نظر الناس قلة، فإن النصر من عند الله تعالى:﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[آل عمران:123] حيث كانت أسباب النصر: 1 ـ الإيمان.2 ـ تحكيم الشريعة. 3 ـ تحليل الحلال وتحريم الحرام. 4 ـ الأخوة والاتحاد والتعاون.5 ـ التضحية، كان أبطال الصوم والجهاد يريدون الموت في سبيل الله بأن لهم الجنة، فلم يتشبثوا بالدنيا.6 ـ أنفقوا المال في البناء والجهاد، وقسموه بين المؤمنين بالقسط، فما بذروا، وما سرقوا، وما بنوا القصور وتركوا العامة في الفقر والأزمات.7 ـ لم يخضعوا لليهود ولا للنصارى، إنما أسلموا وجوههم لله تعالى وحده فنصرهم. 8 ـ لم يطلبوا من عدوهم طعاما ولا سلاحا ولا مركوبا ولا دواء، عرفوا معنى:{لا حول ولا قوة إلا بالله} فاتبعوا مدلولها، وكانوا مؤمنين حقا.
3 ـ دعوة المسلمين لاسترجاع عزتهم:
فلما ترك المسلمون أحكام القرآن والسنة، وأخوة الإيمان في طريق العزة، وطريق العزة طريق الجهاد، لما تركوا الجهاد الحق تخلفوا وضعفوا في الأخلاق والاقتصاد، فليكن رمضان مناسبة لاتحاد المسلمين، وعقد النية على بداية الجهاد النفسي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي، اقتداء بالسيرة النبوية، على نهج النبي عليه الصلاة والسلام، كيف أقام أكبر دولة، وقد كان وقتها قوتان سياسيتان وعسكريتان كبيرتان بمفهوم السياسة الدولية الحالية، وبالموازنة والمقارنة، كان الضغط على المسلمين، وتكالب الكفار عليهم أكثر من هذا الوقت، ومع ذلك عقدوا العزم وانتصروا.
إن ما ينقص المسلمين اليوم هو تلك الأسباب التي ذكرتها، وهذا وعد الله للمؤمنين في كل زمان ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور:55] فأين أنتم أيها الرؤساء والملوك والأمراء من هذه الآية؟ لماذا يبقى المسلمون لعبة بيد طغاة الكافرين؟