مقاربـــــة علميــــة بين الصـــــــلاة و الصيام
الشيخ نــور الدين رزيق /
الصلاة عماد الدين وركنه الركين ولكن الصيام فاق الصلاة و تميز عنها في امور:
-روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. . . الحديث).
ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها، اختلف العلماء في قوله: (الصيام لي وأنا أجزي به) لماذا خص الصوم بذلك ؟
1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، قال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) ومنها الصلاة بخلاف الصوم.
2- أن المراد بقوله: (وأنا أجزى به) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته. قال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير. ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
أما «الصَّلاةُ في جَماعةٍ تعدِلُ خمسًا وعشرينَ صلاةً، فإذا صلَّاها في فَلاةٍ فأتمَّ رُكوعَها وسجودَها بلغَت خمسينَ» فمرفوع رواه ابوداود.
3- وقد أخص افطار الصائم بالأجر، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
بينما قال لمن جاء متأخرا في صلاة الجماعةما رواه أحمد (11631) وأبو داود (574) والترمذي (220) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ؟).
يتصدق بمعنى يعطيه من حسناته و أجره هكذا فهمه بعض الفقهاء نص الحديث.
4- خُلُوف فم الصائم أطيب عند آلله قال صلى الله عليه وسلم «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ» رواه البخاري ومسلم.
في حين نهى الرسول صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلاً أن يقرب المساجد، وذلك حتى لا يؤذي الملائكة والمصلين.
فقد روى البخاري (853) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ – يَعْنِي الثُّومَ -، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا)، وفي لفظ لمسلم (561): (فَلَا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ).
وروى البخاري (855)، ومسلم (564) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا، فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ قَالَ: فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ).
5 – من كان عليه دَيّن صوم صام عنه وليه: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر. أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى».
اما الصلاة فلا تسقط عن الميت ولا تبرأ ذمته منها بفعل غيره لأنها فرض عين وهي من العبادات البدنية الخالصة فلا ينوب فيها أحد، كما ان المرأة الحائض أمرت بقضاء الصوم دون الصلاة عَنْ مُعَاذَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ؟ فَقالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرْورِيَّةٍ. وَلكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ. رواه مسلم، وجاء بنحوه في الصحيحين عن معاذة – رضي الله عنهما – من طريق آخر».
هذه بعض النقاط التي تميز بها الصوم على فريضة الصلاة، الا ان الصلاة قال فيها صلى الله عليه وسلم كما روى أبو داود (864)، والترمذي (413)، والنسائي (465) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ).