رمضـان شهـر الصيام والقرآن (2)
أ.د/ مسعود فلوسي*
كذلك الحال بالنسبة لقيام رمضان، ينبغي أن نحقق هذا القيام على حقيقته، لا ينبغي أن نضيع أجرنا وثوابنا بما نرتكبه من أخطاء. كثير من الناس يحسبون أن الهدف هو مجرد القيام في المسجد في صلاة التراويح، ولكنه روحيا غير متهيئ لهذا، تجده يصلي ولكنه يشتكي من تطويل الإمام، أو يبحث عن إمام يُسْرع في القراءة ويُنهي الصلاة في وقت أقل من غيره من الأئمة، فهو لم يحقق الإخلاص في قيامه، والمطلوب الاجتهاد لتحقيق الإخلاص في الصيام وفي القيام، وأن نصلح علاقتنا بالقرآن.
لابد أن نجتهد في قراءة القرآن، وهذا مالا يحققه كثيرون مع الأسف، علاقة الواحد منهم بالقرآن مقطوعة على مدار السنة، حتى في رمضان لا يعيد ربط هذه العلاقة، ويبقى دائما غريبا عن القرآن والقرآن غريب عنه.
لابد أن نعود إلى القرآن، لابد أن نرجع إلى تلاوة كتاب الله عز وجل، وليس فقط أن نتلوه وإنما أن نتدبره أيضا. هناك من يقرؤون القرآن، ولكن هدف الواحد منهم أن ينتهي ويختم في كل مرة، دون أن يأخذ من القرآن شيئا. ربنا سبحانه وتعالى يقول: [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] (محمد: 24)، فليس ضروريا أن نختم القرآن في رمضان، إذا ختمته أفضل، لكن الأساس أن تتدبر القرآن، أي إذا كنت تقرأ خمس أو عشر آيات، وتتأمل فيها وتنتفع من المعاني التي تتضمنها وتحرص على تطبيقها في حياتك، هذا أفضل من أن تختم القرآن كاملا دون أن تنتفع منه بشيء [أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا].
فالهدف من القرآن هو التدبر، ولذلك علينا أن نحرص على أن نتعلم القرآن، وأن نستفيد من القرآن، وأن نأخذ ما ينفعنا في حياتنا من القرآن، لأن القرآن إنما أنزل ليُتدبر ويُعمل به، وليس ليكون وسيلة للتباهي والتظاهر كما هو حال المسلمين اليوم.
تلاوة القرآن وتجويده نشاط يجتهد فيه الكثيرون من المسلمين اليوم بما يخرجه عن مقصوده، أصبح الناس يطلبون القرآن للتباهي، فقد غلبنا الاهتمام بالترتيل وتلحين القرآن ونسينا الجوهر الذي هو التدبر ثم العمل.
فهناك مسابقات كثيرة تعقد لحفظ القرآن وترتيله، لكن لم نسمع عن تنظيم مسابقة للتنافس في فهم وتدبر القرآن، لأن الفهم غير مُراد، المراد فقط هو المظاهر، ولذلك لا فائدة من كثير من هذه المسابقات، لغياب الإخلاص والصدق مع الله عز وجل. وفي العالم الإسلامي اليوم عشرات القنوات القضائية المخصصة للقرآن، وآلاف القراء والمجودين، لكن لا أثر لكل ذلك في حياة المسلمين، لأن الهدف هو اللحن فقط وليس التدبر وفهم القرآن وإدراك ما يريده الله عز وجل منا عندما يخاطبنا بهذا القرآن.
في القرآن نداءات كثيرة: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ]، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا]، [يا عبادي]، [يَا بَنِي آدَمَ]، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا]، دائما نجد أمرا أو نهيا أو تكليفا، فهل صرفنا اهتمامنا إلى هذه التكاليف؟ هناك أكثر من ثمانين نداء بدئ بقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا]، ومع كل واحد من هذه النداءات تكليف أو أكثر بفعل مأمورات أو ترك منهيات، هل اهتممنا بهذا؟ وهل نظرنا فيما يلزمنا من وراء هذه التكليفات؟
فلابد أن نحرص على تدبر القرآن، وعلى فهم ما يريده الله سبحانه وتعالى منا في هذا القرآن، ثم نقبل بعد ذلك على العمل به والسير على نهجه في سائر شؤوننا وكافة مجالات حياتنا الفردية وعلاقاتنا الاجتماعية، حتى ننجح في دنيانا ونفلح في أخرانا: [إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا] (الإسراء: 9).