ما يزال معيار المجتمع الدولي الكيل بمكيالين

أ د. عمار طالبي/
هذا العدوان المستمر من الصهاينة على أجهزة الطاقة النووية الإيرانية، واغتيال العلماء، وإعلاء أصواتهم بالتهديد، لم يدنه الإتحاد الاروبي وإنما توجه إلى إيران بالإدانة لما قررت رفع درجة تخصيب اليورونيوم إلى 60% وتنادوا بالاستنكار على إيران ولم يقولوا كلمة ضد ذلك العدوان السافر على إيران المتواصل.
وزاد بعض الأعراب فأنكروا على إيران وقد أتوا بالصهاينة إلى ديارهم وبالقرب من إيران لإشعال نيران العدوان والتهديد بالحرب جهرة، مما قد يؤدي إلى تدمير دول الخليج، وهلاكها قبل أي جهة أخرى.
سكتوا على الصهاينة الذين يمتلكون فعلا الأسلحة النووية، ويتوسعون تحت الأرض في ذلك.
مع أن منظمة الأممية تراقب كل خطوة من خطوات إيران، في هذا المجال، وتزورها من حين لآخر، وقد أتاحت لهم ذلك بسهولة تامة تطبيقا للاتفاق الذي عقدته 1915، بما في ذلك الولايات المتحدة التي انسحبت بعد ذلك بدفع الصهاينة للرئيس السابق ترمب الذي أصبح ألعوبة صبيانية في يد الصهاينة، يحققون به أغراضهم بكل أريحية وتبجج.
وأصبح بعض العرب عملاء لهم أذلاء بسعي من هذا الرئيس الذي أخضع السودان للتطبيع،
على غرار تلك الدول العربية التي تهافتت وهرولت، وسال لعابها، وهان أمرها عليها، وأزيلت كرامتها وغيرتها على مقدسات الأمة.
وها هي مصر مهددة في مقوّم حياتها منذ الأزل وهو نهر النيل الذي أصبحت أثيوبيا تتحكم فيه وفي مصير السودان ومصر وبعض العرب والصهاينة يمولون سد اثيوبيا ويسكتون على هذه المظالم، من انفراد حكومة اثيوبيا بالسيطرة على مياه النيل والتنكر لكل الاتفاقيات التاريخية التي تمت بينها ومصر والسودان.
هذا والغفلة سادت السودان التي وهبها الله هذه الأراضي الخصبة وهذه المياه المتدفقة لم تعمل من أجل استثمار هذا الخير كله.
وبقيت في التخلف، والصراع القبلي، وفرطت في وحدتها وضاع منها جنوبها الغني، وكانت الكارثة.
كنا نظن أن السياسيين السودانيين لهم شيء من الحكمة السياسية، والإيمان بوطنهم ولكن فشلت سياستهم وضاعت حكمتهم، ولم ترشد عقولهم لاستثمار هذه القارة الواسعة الخصبة وهذا الماء المتدفق.
وكما نبّه مالك بن نبي إلى هذه الظاهرة، التي تشترك العراق أيضا فيها فقد وهبها الله الدجلة والفرات والأرض الخصبة ولكن عدمت العراق سياسة حكيمة وإستراتيجية بصيرة وكأن المناخ الحار في هذه المناطق نوّم الطاقات وعطلها فلم تستطع أن تتغلب عليها. لم يستفق العقل العراقي ولا العقل السوداني رغم هذا التقدم العلمي الهائل الذي حدث في العالم في زماننا بما لم يسبق أن حدث في مدة وجيزة.
فما هذه العقول النائمة، الغافلة؟ وما هذه السياسة العرجاء التي فقدت كل بصيرة، وكل فعالية، فأين أثر هذه الجامعات المتعددة، وأين أثر مراكز البحوث؟ وأين هؤلاء الباحثون الذين يلجأون إلى الغرب وينبغون فيه؟
هل أصبحت بلدان العالم الإسلامي خالية من العقول؟ وهل استقالت العقول من وظيفتها في التفكير والبحث؟
إن مرد ذلك إلى السياسات الفاسدة والتنمية العرجاء التي طال عمرها، فشاخت، وناخت فدمرت شعوبها وأفقرتها بما سلكت من سبيل التبعية والذيولة والاستبداد والجهل بمقتضيات العصر.
ولعل الجزائر بدأت تستفيق، فإني لا أعلم أن ساستها استعانوا بالعلماء، وأهل الخبرة والاختصاص بطريقة فعالة في شؤون الأمة إلا في هذه الأزمة الوبائية فقد لجأت إلى العلماء لتدبير شأن هذا الوباء لذلك نجحت في هذا التدبير، وتفوقت في هذا التسيير.
ونتمنى أن تلتزم هذا السبيل فإن العلم اليوم أقوى سند، وأعظم معتمد في ترقية الشعوب، والخلاص من التخلف.
إن الجزائر أيضا قارة عظيمة في خيراتها ومناخها وتنوعه ولكنها لم تستطع أن تكفي ذاتها في الحليب ولا في اللحوم ولا في الحبوب ولا في المياه لانعدام إستراتجية فعالة، فاعتمدت على المحروقات فاحترقت الفلاحة، واستنام العمال وقل العمل، وكثر الكسل، وخاب الأمل ولكن أملنا في شبابنا أن يغير التدبير، ويحسن التسيير فإنه لا يكفي وجود الإمكانات وإنما النجاح في حسن التدبير والإدارة.