معالجات إسلامية

أهــلاً بك يا سيّد الشهور

د. يوسف جمعة سلامة*

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
حينما يقترب شهر رمضان الكريم بنفحاته وبركاته وأنواره، يستعدّ المسلمون في كلِّ مكان لاستقباله استقبالاً يليقُ بمنزلته عند الله سبحانه وتعالى، وَبِمَا لَهُ في نفوسنا معشر المسلمين من محبة وتقدير، فنحن نستقبل شهر القرآن بالحفاوة والتِّرحاب، لأنّ ذلك حقّه دون مِرَاءٍ ولا خِلاف بين المؤمنين جميعًا.
أَلا يُرَحِّب الإنسان بِمَنْ يقدم عليه مصحوباً بالخير والبركة والنَّعيم في دنياه وأخراه؟
إِنّنا نعيش في ظلال أيام مباركة، حيث إِنَّنا على أبواب شهر كريم، إِنّه شهر رمضان المبارك، شهرٌ فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر، شهرٌ يمحو الله فيه الذنوب، ويُكفِّر فيه السيئات، شهرٌ تُصَفَّدُ فيه الشياطين، وتُغلق أبوابُ النار، وتكون النفوس مُهَيَّأَةً لفعل الخيرات والطاعات، شهرٌ جاء في فضله أحاديث عديدة، منها قوله – صلّى الله عليه وسلّم-: (… مَنْ تَقَرَّبَ فِيْهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيْضَةً فِيْمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيْهِ فَرِيْضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِيْنَ فَرِيْضَةً فِيْمَا سِوَاهُ…)، فالحمد لله الذي جعل رمضان سَيِّدَ الشهور، وأفاض فيه الخير والنور، فمرحبًا به وأهلاً.
جاءَ شهرُ الصّيامِ بالبركاتِ فأكرِمْ بهِ مِنْ زائرٍ هُوَ آتِ

مرحباً بك يا شهر الخيرات والبركات
إِنَّ الواجب علينا أن نستعدّ لاستقبال هذا الضيف الكريم ونفرح بقدومه، لقوله – صلّى الله عليه وسلّم- : (إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ)، فهو يزيد في إيمان المؤمنين، ويُنمي عواطف البرِّ عند المحسنين، ويفتح مجال التوبة والإنابة أمام العصاة والمسرفين، ولله درّ القائل:
رَمَضَـانُ هَـلَّ هِلاَلُــــهُفَاسْتَبْشِرُوا بِطُلُوعِهِ
وَبِصَوْمِـــهِ وَصَلاَتِــــــهِوَبِذِكْرِهِ وَخُشُوعِهِ
فَاضَـتْ عَلَيْنَـا رَحْمَــةٌبِالْخَيْرِ مِنْ يَنْبُوعِهِقَدْ
عَادَ يُشْرِقُ بِالْهُدَىيَا مَرْحَباً بِرُجُوعِهِ
لقد كان رسولنا– صلّى الله عليه وسلّم – يستقبل شهر رمضان المبارك، قائلاً-: (أتاكُم رمضانُ، شهر بركةٍ يغشاكُمُ اللهُ فيهِ، فيُنزِّلُ الرَّحمةَ، وَيحُطُّ الخطايَا، ويَستجيبُ فيه الدعاءَ، ينظرُ اللهُ إلى تَنَافُسِكم فيهِ، ويُباهِي بكم ملائِكتَهُ، فأرُوا اللهَ مِنْ أنفُسِكم خيرًا، فإِنَّ الشَّقِيَّ من حُرِمَ فيه رَحْمَة اللهِ)، وهكذا كان رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم – يستقبل هذا الشهر المبارك؛ ليلفت الأنظار إلى جانب البركات والمِنَحِ والرّحمات التي يُسبغها الله -سبحانه وتعالى- على عباده المؤمنين؛ لينهضوا إلى طاعته سبحانه وتعالى، قريرة أعيُنُهم، طَيِّبة نفوسُهُم، فقد كان رسولنا الكريم – صلّى الله عليه وسلّم – وأصحابه الكرام – رضي الله عنهم أجمعين- يُحيون أيامه ولياليه بالصّيام والقيام وقراءة القرآن وفعل الخيرات.
فمرحباً بك يا شهر الخيرات والبركات، شهر الذّكر والقرآن، شهر الرحمة والمغفرة والعِتْق من النار.
رمضان موسم للإكثـار من الطاعات
يتهيأ المسلمون لاستقبال شهر رمضان المبارك، ونحن نقول لإخوتنا وأحبائنا: استعدوا معشر المسلمين لاستقبال هذا الضّيف الكريم، واستبشروا بِقُدُومه، وشمِّروا عن ساعد الجِدّ واغتنموا الفرصة ولا تُضَيِّعوها، واعقدوا العزم منذ الآن على صيام أيامه وقيام لياليه، واحرصوا على أن تكونوا في رمضان من الفائزين المغفور لهم، المُتَقَبَّل صيامهم، وعليكم بذكر الله وتلاوة القرآن في هذا الشهر الفضيل، وأكثروا من التوبة والدعاء والاستغفار، وابسطوا أيديكم بالخير، وأنفقوا مِمَّا رزقكم الله على الفقراء والمساكين.
إِنّ شهر رمضان شهر طاعة وليس شهر أكل وشرب، فعلينا أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُبَلِّغنا رمضان، وأن يُوَفِّقنا لصيامه وقيامه، وأن نكون من عتقائه من النار، إن شاء الله.
إِنّ الواجب علينا جميعاً أن نجعل شهر رمضان المبارك فاتحة خيرٍ، نُقبل فيه على الطّاعات والقُربات، من صلاة وصيام وقيام وزكاة وتلاوة للقرآن وفعلٍ للخيرات، ومساعدة للضعفاء، وصفحٍ عن المُسيئين، ونعمل جاهدين على أن يكون ضيفنا الكريم فرصة لنا جميعاً للتوبة الصادقة، وفتح صفحة جديدة، حتى نكون إن شاء الله من الفائزين في هذا الشهر الفضيل.
من هدي الرسول الكريم – صلّى الله عليه وسلّم- في شهــر رمضــان
عندما تهلّ علينا بشائر شهر رمضان، أو تهبّ علينا نسائمه، فإن نفوسنا تنتعش لتعرضها لنفحات الخير الربانية، فقد كان رسولنا–صلّى الله عليه وسلّم– وأصحابه الكرام–رضي الله عنهم أجمعين- يُحْيون أيامه ولياليه، ويتخذون منه مدرسة يتلقَّون فيها الدروس والعظات، ويُسْتَحب للمسلم في هذا الشهر المبارك أن يسير على هدي رسولنا الكريم– صلّى الله عليه وسلّم – وذلك بالإكثار من الأعمال الصالحة، ومنها:
* تلاوة القرآن الكريم: نحن أمة القرآن، وَمَجْدُ هذه الأمة إنما هو في كتابها، ذلك الكتاب الذي ربط بين جميع المسلمين، وكان دستورهم في شئون دينهم ودنياهم، والروح الذي أحيا أموات أفئدتهم، وأزال الغشاوة عن قلوبهم، والنور الذي أضاء لهم الطريق وسلكوا به سبيل الهدى والرشاد.
ومن المعلوم أن جبريل – عليه السلام – كان يلقى رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – في رمضان فيدارسه القرآن ، وقد حرص سلفنا الصالح – رضي الله عنهم أجمعين – على استغلال أوقاتهم في شهر رمضان بقراءة القرآن الكريم، والآثار في ذلك كثيرة، منها قوله – صلّى الله عليه وسلّم–:
(الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ).
* المواظبة على صلاة الجماعة في المسجد: لقد شجَّع الإسلام على صلاة الجماعة، وحثَّ عليها، ورغَّب في المحافظة على أدائها، حيث وردت أحاديث نبوية تُبين ذلك، منها قوله – صلّى الله عليه
وسلّم -: (صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إِلا الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ)، لذلك يجب عليك أخي المسلم أن تحرص كل الحرص على أداء الصلوات جماعة في المسجد.
* السخاء والجود في شهر رمضان: شهر رمضان شهر الخير والبركة والبرّ والإحسان، كما رُوي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَد مَا يَكونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)، فشهر رمضان شهر الخيرات والبركات، كيف لا؟ والمنادي يُنَادي كما قال – صلّى الله عليه وسلّم-: (يا باغِيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغِيَ الشَّرِّ أقصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ).
*الابتعاد عن اللغو والرفث: وذلك في جميع الأوقات وخاصة في هذا الشهر المبارك، كما جاء في الحديث: أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال: (…وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فلا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَسْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ).
رمضان … وجائحة الكورونا
يأتي شهر رمضان المبارك للعام الثاني على التوالي، والبشرية جمعاء تعيش أزمة جائحة كورونا، حيث يتسع الوباء يومًا بعد يوم، وقد تسبب ذلك في إصابة الملايين من البشر، كما حصد مئات الآلاف من الأرواح، ولم تسلم من عواقبه كل الفئات والأطياف من البش.
لقد أَهَلَّ علينا هذا الشهر الفضيل والموسم العظيم والضيف الكريم، في ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها أمتنا الإسلامية، نتيجة انتشار هذا الوباء الفَتَّاك؛ لذلك فإنّ الواجب علينا أن نستقبل هذا الشهر المبارك، بالمزيد من اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نُكثر من الدعاء في القنوت، ونسأل الله أن يكشف عن أمتنا والعالم أجمع هذا الوباء والبلاء.
ويسعدنا في هذه المناسبة الكريمة أن نتقدم بأصدق التهاني والتبريكات من أبناء الأمتين العربية والإسلامية بقرب حلول شهر رمضان المبارك، سائلين الله العلي القدير أن يجعله شهر خير وبركة على الجميع، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجمع شملنا ويُوَحِّد كلمتنا، إنّه سميع قريب.
وصلّى الله على سيّدنا محمد T وعلى آله وأصحابه أجمعين.

* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com