رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الدكتور بو عبد الله غلام الله في حوار مع جريدة البصائر

«المعاملات الإسلامية ليست قرضا حسنا وكل بنك لابد أن يبحث عن الفائدة، لكن ينبغي أن تكون مشروعةّ»
“اتخاذنا اللغة الفرنسية بديلا لثقافتنا أخضعنا للتفكير الفرنسي” “على المسلمين في الغرب الالتزام بالسلوك الإسلامي الصحيح لمواجهة الإسلاموفوبيا” |
حاوارته: فاطمة طاهي/
يقف الدكتور بوعبد الله غلام الله، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في حوار خص به جريدة البصائر، عند قضايا مهمة تشغل الساحة الدينية في الوقت الراهن، معرجا في ذلك على راهن المرجعية الدينية الوطنية في ظل فوضى الفتاوى، كما تطرق إلى واقع الصناعة المالية الإسلامية في الجزائر، وصولا إلى واقع الإسلام في أوروبا في ظل الإسلاموفوبيا، وتحدث عن رأي المجلس في رفض الاستعمار الفرنسي الاعتراف بجرائمه الاستعمارية في الجزائر، في سياق آخر أشار ذات المسؤول إلى مكانة الشباب في المجلس ودور هيئته في مرافقتهم في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة، ونقاط أخرى شملت مهام ودور المجلس الإسلامي الأعلى كهيئة استشارية فاعلة.
في البداية كيف كانت المرافقة الاجتماعية للمجلس الإسلامي الأعلى في ظل جائحة كورونا؟
-المجلس الإسلامي الأعلى هو هيئة استشارية، يشارك بالنصيحة والرأي أساسا عندما يُطلب منه ذلك، وأحيانا يشارك حتى وإن لم يُطلب منه، خاصة إذا كانت القضايا مجتمعية، ففي ظل جائحة كورونا التي أصابت العالم كله، والتي أدت إلى تعطيل قطاعات كثيرة، وكان من الممكن أن لا تتعطل بهذا الحجم، كان الأجدر أن نعطل جزءا منها وليس كلها، فمثلا قرار تسريح العنصر النسوي من الموظفات والإطارات أدى إلى نقص أو توقف العمل المنتظر من مسؤوليتهن ومنصبهن، وغالبا المسؤولة ليس لها مساعد خاصة إذا كانت هي التي تمضي وتقرر وتوجه، والجزائر تزخر بسيدات لهن مسؤوليات كبيرة في شتى المجالات، وبالتالي كان من المفروض أن نراعي ذلك ونكتفي بتخفيض العمل وأن نفكر في حلول عملية وذكية لتجاوز الصعوبات.
كما أصدر المجلس الإسلامي الأعلى بيانا يدعو فيه المجتمع إلى الالتزام بقواعد وتدابير الوقاية من انتشار فيروس كورونا، هذه التدابير التي حددها علماء الصحة والأطباء وهم أدرى منا، كالتباعد الجسدي واستعمال الأقنعة الواقية والمطهرات، فكل هذه النقاط وأخرى المتعلقة بالإجراءات الوقائية أشرنا إليها في البيان، وطلبنا بأن تُحترم، وأصدرنا كتيبا يتضمن مختلف العبادات كعملية ذبح الأضحية وصلاة التراويح التي يمكن أن تُؤدى في البيت، وتخفيف عدد المصلين بالمساجد، كما طلبنا تخفيف الحضور في الاجتماعات الثقافية حيث خففنا من عدد الندوات وقسمنا الحضور حسب التخصصات وحسب موضوع الندوة، ومن جهة أخرى لم نوافق على تخفيف الزكاة لأن الفقراء والمحتاجين في أمس الحاجة إليها، والأموال التي تجب فيها الزكاة لابد أن تُدفع على مستحقيها تعزيزا وتجسيدا لقيم التضامن في المجتمع الذي تقتضيه الشريعة الإسلامية، كما كنا نحث الناس على ضرورة التلاحم والتضامن، وجعل هذه الجائحة في حد ذاتها فرصة للمّ الصفوف وتقوية التوافق والتعاضد والتقارب بين المواطنين.
باعتباركم رئيس الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية، لماذا لم تجد الصيرفة الإسلامية اهتماما كافيا في الجزائر؟
-نتكلم عن الصيرفة الإسلامية ولا نمارسها، وحتى البنك الذي كان يمارس هذه القروض بالطريقة الإسلامية كان متهما بعدم تميزه عن البنوك الأخرى وأنه يبحث عن الفائدة، ظنا بأن البنوك الإسلامية لا تبحث عن الفائدة وهذا خطأ، فالبنك الذي لا يبحث عن الفائدة هو بنك خاسر، كل بنك لابد أن يبحث عن الفائدة، لكن ينبغي أن تكون هذه الفائدة مشروعة، أصدر المجلس الإسلامي الأعلى بيانا في شهر ديسمبر 2017م، ومن خلاله طلبنا من الحكومة فتح المجال لتشجيع الناس على التعامل بهذه الطريقة التي أثبتت نجاعتها في العديد من البلدان حتى في غير الإسلامية حيث يتواجد المسلمون، الذين تعاملوا فيما بينهم بهذه الطريقة الإسلامية فأعطت نتائج فعالة لهم وللبلد الذي ينتمون إليه، وبالتالي لابد من تصريف الأموال، فالأموال لا تُكتنز لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}، وبالتالي المال طاقة ولابد لهذه الطاقة أن تُصرف لفائدة المواطنين والمجتمع، ونحن نعاني من الأموال المكتنزة، وحسب البنوك أن نصف الكتلة النقدية مخزنة ولا يستفيد منها الاقتصاد الوطني ولا المجتمع، وبالتالي هذا ما جعلنا ندعو إلى فتح الأبواب لتشجيع الناس على الإقبال إلى المعاملات الإسلامية، والحمد لله نداؤنا أعطى نتائج، حيث أصدر البنك الوطني تشريعا يُمكّن البنوك العمومية أو الخاصة على فتح شبابيك للمعاملة بالطريقة الإسلامية، وفكر البنك الوطني فيمن يشرف على الصيرفة الإسلامية وطلب من المجلس ذلك بما أننا من طلبنا بذلك، ولكن في الحقيقة هذا ليس من مهام المجلس الإسلامي الأعلى وإنما أضيفت إليه، وطبعا قبلنا الإشراف ما دمنا نحن من دعونا إلى ممارسة الصيرفة الإسلامية، ومشاركتنا كانت تشجيعا على تجسيد هذه العملية، وإن أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى المشاركين في الهيئة العليا للصيرفة الإسلامية لا يتقاضون أجرا على هذا. عندنا تقريبا حوالي 150 نافذة مفتوحة، منتشرة عبر مختلف الفروع البنكية عبر ولايات الوطن، تعرض البنوك العقود علينا لدراستها، فكنا نُصوبها أحيانا لأنها تحتاج إلى تجربة، فاللجنة على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى تقوم بدراسة وتصويب تلك العقود وإعادة إرسالها إلى البنك، كما أن كل معاملة بنكية لها بحث عن ضمان سواء للمقترض أو لصاحب القرض، وبالتالي رأينا أنه من أجل أن تتم هذه المعاملات بالطريقة الإسلامية يجب أن نبحث عن ضمان ليس فيه ربا، بعيدا عن الضمان التقليدي القائم على الربا والفائدة، ولهذا دعونا إلى الضمان التكافلي. والحمد لله صدر القانون الذي يفتح المجال أمام تأسيس مؤسسات تتكفل بالضمان التكافلي.
هناك حديث حول الصيرفة الإسلامية على أنها نسخة أخرى للمعاملات البنكية التقليدية خاصة لما فيها من تضخم في الأسعار لا تختلف عن المعاملات الكلاسيكية الأخرى؟
-الإنسان الذي يرغب تعلم السباحة لابد أن يدخل إلى البحر ليتعلم، وأيضا الذي يرغب في معرفة والتعامل بالمعاملات الإسلامية لابد عليه أن يقدم الملف، يظن معظم المواطنين أن المعاملات الإسلامية فيها فوائد، وهنا لابد أن أشير إلى أن المعاملات الإسلامية ليست قرضا حسنا، إنما تتم عن طريق معاملة البنك الذي يشتري المنتوج ويعيد بيعه للزبون، ويأخذ هامش الربح الذي هو في الحقيقة منحة من الدولة لتشجيع المعاملات التجارية في البنوك، فقوانين الدولة توفر هذه المساعدات بالنسبة للبنوك العادية، لكن لم تدخل بعد في قانون المالية الخاصة بالمعاملات الإسلامية، وعليه نحن حاليا في مراسلات مع وزارة المالية التي تتولى تعديل القوانين المالية سواء قانون المالية الأول أو التكميلي، وعدونا أن يتم التعديل في هذا الجانب، وأيضا فيما يخص شراء المنازل فالدولة تشجع المواطن على شراء المنزل، حيث تدعم بمنحة تقدر بـ 3 بالمائة، وبالتالي هذه منحة من الدولة فلا ينبغي أن يُحرم منها المواطن الذي يتعامل بالشريعة الإسلامية، هذا المواطن الذي يدفع 1 بالمائة ليس ربا، إنما هي أجرة أو تكلفة ذلك الشخص الذي حضّر الملف وقدمه للشركة التي تبني له، وبالتالي 1 بالمائة هو حق المعاملة التي تقوم بها البنوك، كما أن لهذا البنك موظفين لابد أن تُدفع لهم أجورهم، وأقول هنا إن البنك يربح كتاجر ويأخذ حقه مقابل الخدمة التي يقدمها، والفقهاء الذي أسّسوا القروض بالطريقة الإسلامية أكدوا أن الدفع هو مقابل المعاملة التي يقدمها الموظفون في البنك، وبالتالي هذه المساعدات التي تقدمها الدولة ليس ربا إنما هي مساعدة للمواطن مثلها مثل الدعم الذي تقدمه لبعض المواد الغذائية كالزيت والحليب.
كيف يساهم المجلس الإسلامي الأعلى في ترسيخ المرجعية الدينية في ظل تعدد مصادر الفتوى؟
-هذه المسألة تحتاج إلى جهد كبير، ليس فقط من المجلس الإسلامي الأعلى، فمجموع أعضاء المجلس هم 15 متوزعون عبر مختلف الولايات، اليوم العالم كله أصبح قرية واحدة، وتعددت وتنوعت وسائل التواصل، والعالم الإسلامي لا يمارس العبادات على مذهب واحد، وإنما على مذاهب موجودة تقريبا منذ نهاية القرن الأول الهجري، فالتابعون لم يكونوا على كلمة واحدة، فبعض الصحابة والتابعين أوّلوا الحديث والقرآن بطريقة تختلف عن التي أوّل بها التابعون الآخرون، ومن هنا تشكلت المذاهب، وبالتالي يوجد على الأقل ثمانية مذاهب: المذاهب الأربعة لعلماء السنة، ومذهبين للشيعة، إضافة إلى المذهب الظاهري والإباضي، فالجزائر أو في شمال إفريقيا بما فيه جنوب الصحراء من الدول المحيطة بنا كالنيجر ومالي وموريتانيا كلها قائمة على مذهب الإمام مالك، إذن نقول: أن مذهب الإمام مالك هو المرجعية فكتبنا ومؤلفاتنا ومساجدنا ومؤسساتنا كلها أقيمت عليه، واليوم نشاهد على وسائل الإعلام فتاوى من مذاهب أخرى، كما يشاهد المواطنون في الحج والعمرة الإندونسيين الذين يمارسون العبادة على طريقة المذهب الشافعي، والحجازيين وهم يمارسون العبادة على المذهب الحنبلي وبالتالي يقلدونهم، وأحيانا نجد بعض المثقفين يلجأون إلى تقليد مذاهب أخرى، فيدعون إلى التغيير الذي يتنافى مع المرجعية الدينية الوطنية.
والمجلس الإسلامي الأعلى بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف باعتبارها هي من توظف الأئمة في المساجد وهي من تسهر على انتقاء الأئمة الذين يتولون قيادة العبادة في المساجد، هؤلاء الأئمة ينبغي أن توجههم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى الالتزام بالمرجعية الدينية، وقد أسسنا في الجزائر ملتقى دوليا سنويا من أجل توسيع الفهم وشرح وتأييد المذهب المالكي بعنوان: «الملتقى الدولي للمذهب المالكي» يحضر فيه أئمة وأساتذة ومفكرون من داخل وخارج الوطن، يتناولون القضايا التي يقع فيها الاختلاف بين المذهب المالكي والمذاهب الأخرى، أما أولئك الذين يخرجون عن المرجعية الدينية الوطنية إما يريدون أن يغيروا وإما لأنهم أميون يقلدون، والمجلس الإسلامي الأعلى بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وبالتعاون مع المجاس العلمية عبر الولايات، سنساهم قدر المستطاع في ضبط المرجعية إضافة إلى الدور الرائد لقناة القرآن الكريم والتي لها الفضل في تصحيح بعض المفاهيم وإرشاد المستفتين من قبل المفتين الذين يخدمون المرجعية الدينية، وبالتالي ضبط المرجعية الدينية الوطنية هو عمل مشترك بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الدينية.
كيف يخدم المجلس الإسلامي الأعلى الجالية الجزائرية المسلمة في الخارج خصوصا في ظل الإسلاموفوبيا؟
-فيما يخص المسلمين الذين انتقلوا إلى أوروبا وهم تقريبا في الجيل الرابع ندعو إلى توعيتهم، هؤلاء المسلمون الذين ارتضوا بأن يكونوا أوروبيين أو أمريكيين وهذا من حقهم فأرض الله واسعة، والإنسان يعيش على الأرض التي يريدها، لكن هذا لا يعني أن يتخلى عن دينه، إن السلوك الجماعي للمسلمين في البلدان الأوروبية يراه الغربيون مخالفا لعاداتهم ولتقاليدهم، فأنكروه مما خلق الإسلاموفوبيا، لكن السؤال هو: كيف نواجهه؟ عن طريق السلوك الإسلامي الصحيح، فلا نعالجه بالمعارضة أو بالقوة أو بالادعاء بعد الحصول مثلا على الجنسية الأمريكية على أنهم مواطنون ولهم كل الحق أن يفعلوا ما يشاؤون في بلدهم، وبالتالي ليست هذه الطريقة الإسلامية، إنما لابد عليهم أن يمارسوا عباداتهم ويكونوا قدوة للغربيين، فالإسلام في القديم انتشر عن طريق القدوة، المسلمون الذين نقلوا الإسلام إلى شرق آسيا كان عن طريق القدوة، وبالتالي أقول للمسلمين في الغرب إن تظاهراتكم لن تفيد الإسلام، وإنما يفيده أن تتواضعوا وأن تحاولوا أن لا تصدموا المجتمعات التي تعيشون فيها، والتي اخترتم أن تكونوا جزءا منها، لابد منكم أن تخدموها أولا كأنما تخدمون وطنكم، وأن تكونوا مخلصين في عملكم وأن تقدموا لهذه البلدان التي أصبحتم فيها مواطنين حقيقيين كما يقدم المواطن المخلص لوطنه سواء من حيث الأمن أو من حيث حسن المعاملة وحسن الجوار وإتقان العمل، فإذا كنت موظفا وعاملا عليك أن تتقن عملك لتكون قدوة لهم، ولتثبت لهم أن هذا ما علمك الإسلام، إذن ستكون أنت القدوة الذي يُقتدى بها ومن خلالك يُنشر الإسلام، لا تفرض على الناس طريقة تجعلهم يكرهون الإسلام ويخشونه، وبهذه المعاملة نستطيع أن نعالج هذا الموضوع الذي لن يُعالج أبدا بالصراع.
ما هي المرجعية الدينية في فرنسا وفي أوروبا عموما؟
-لا توجد مرجعية دينية في الغرب، المسلمون الذين انتقلوا إلى الغرب كل جاء بمرجعيته، وبالتالي عليهم أن يتفقوا، تم تأسيس مجلس العلماء المسلمين في أوروبا للتوحيد بينهم، لا يقبل المسلمون أن تشرع لهم الدولة التي ينتمون إليها في دينهم، إنما تشرع لهم كمواطنين، فهي لا تشرع لليهود ولا للمسيحيين ولا للبوذيين في دينهم فلا ينبغي أن تشرع للمسلمين في دينهم، كما لاحظنا مؤخرا الرئيس الفرنسي الذي أراد أن يُشرّع للمسلمين في فرنسا، لا يجب أن يشرّع لهم في دينهم إنما يشرع لهم في وطنيتهم يعني بصفتهم مواطنين فرنسيين، لا يشرع للمسلمين كيف يُصلون أو كيف يتزوجون.
حدثنا عن اتصالات واتفاقيات المجلس الإسلامي الأعلى مع المنظمات الدولية الإسلامية؟
-لدينا اتصالات مع رابطة العالم الإسلامي، ومع هيئة الأزهر مجلس العلماء المسلمين في مصر، وعلاقات مع مجلس الإفتاء في الإمارات، وأيضا مع مجالس إسلامية في أوروبا الشرقية، حيث نحضر معهم اللقاءات ونقدم آراءنا في مختلف المواضيع والمسائل الإسلامية التي نناقشها مع بعض، كما نسعى مع هذه الهيئات إلى التعاون والتنسيق لمناقشة مختلف القضايا المتعلقة بديننا الحنيف، فمن واجب المجلس الإسلامي الأعلى التعاون مع مختلف المؤسسات المماثلة عبر العالم الإسلامي.
للمجلس الإسلامي الأعلى اهتمام بالتاريخ والذاكرة من خلال ندواتها ومنشوراتها، ما هو رأيكم حول رفض فرنسا الاعتراف بجرائمها الاستعمارية في الجزائر؟
-يهتم المجلس الإسلامي الأعلى بكل ما هو ثقافي مشترك، ومن ندواته التاريخية ندوة أقيمت في شهر مارس 2019م بمشاركة أساتذة ومؤرخين وعلماء في السياسة وفي علم الاجتماع، وناقشنا فيها السياسة الفرنسية وأكدنا أنها استمرار لسياسة الاستعمار، وأثبتنا بأن مواقف الدولة الفرنسية لا تزال مواقف استعمارية، معتقدين بأنهم الحكام المسيطرون على مستعمراتهم في إفريقيا، فرغم اعترافهم باستقلال البلاد إلا أنهم يسعون إلى تسيير الجزائر وفق مصالحهم، وقد طلبنا في تلك الفترة أن تتخلص فرنسا من الفكرة الاستعمارية أو فكرة التفوق، وأن لا تمارس السياسة التي تسيء بها للجزائريين وللأفارقة، كما طلبنا من فرنسا أن تتحرر من فكرة خضوع إفريقيا لها، وفي الحقيقة نتحمل جزءا من المسؤولية لأننا بقينا متمسكين بلغتهم الفرنسية ونتعلمها كما يريد الفرنسيون لا نتعلمها للتواصل فقط وإنما نتعلمها لتؤثر في سلوكياتنا وبالتالي يصبح المثل الفرنسي هو مثلنا الأعلى خاصة بالنسبة للمثقفين عندنا باللغة الفرنسية، وهذه المسألة في الحقيقة نبه عنها الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي سنة 1962م عندما استرجعت الجزائر جامع كتشاوة، وفي أول خطبة له في يوم الجمعة قال فيها: «خرج الاستعمار من أرضكم ولكنه لم يخرج من مصالح أرضكم، ولم يخرج من ألسنتكم، ولم يخرج من قلوب بعضكم، فلا تعاملوه إلا فيما اضطررتم إليه» ومن هنا أقول: عندما نتعلم اللغة الانجليزية نتعلمها كلغة نستعملها في التواصل أو للتثقف لكن لا نستعملها تقليدا للإنجليز في تفكيرهم، بينما نجد الشخص الذي يتحدث باللغة الفرنسية يحسب نفسه فرنسيا إذ يعبر عن شعوره وعن علاقاته مع الآخرين وهذا يدعى الاستلاب ونحن مسؤولون عنه، وبالتالي لابد علينا أن نتخلص من هذه العقدة، ولابد على الدولة ومن مختلف القطاعات كوزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة الثقافة، بأن تهتم بهذا الموضوع، وأن لا تخضعنا للتفكير الفرنسي، فهناك فرق بين تعلّم اللغة وبين استبطان الثقافة، للأسف اللغة الفرنسية نتخذها بديلا لثقافتنا الأصلية وبالتالي لابد من التخلص على هذا الإنسلاب.
دكتور غالبا في الندوات التي تُقام بالمجلس نلاحظ نفس المحاضرين ونفس المتدخلين وحتى نفس الحاضرين، ماذا عن مكانة الشباب الباحث في المجلس الإسلامي الأعلى؟
-لابد على الشباب أن يعبر عن وجوده، وأحمد شوقي يقول: «شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا»، الشباب هو الذي يعبر عن طموحه بالحضور وبالمشاركة وبالكتابة، ونحن في المجلس ننشر ندواتنا في المواقع الإلكترونية، والمجلس الإسلامي الأعلى يرحب بكل الشباب المتعلم والمثقفين في مختلف المواضيع التي يناقشها المجلس، وذلك من أجل الحضور والمناقشة والتدخل، فليقبل الشباب إلى المجلس للمشاركة في الندوات، فالمجلس الإسلامي الأعلى مفتوح على مصراعيه للشباب بدون استثناء، ومستعدون للاستماع إليهم ولمداخلتهم وتسجيلها وبثها، كما نتمنى لشبابنا أن يكون له الإقدام والمبادرة والابداع.
العالم اليوم يشهد ثورة الكترونية رهيبة، كيف يرافق المجلس الإسلامي الأعلى شباب مواقع التواصل الاجتماعي؟
-كل ما يجري في المجلس الإسلامي الأعلى ما هو مقبول منه أو حتى ما هو مرفوض منشور في موقع المجلس وفي حسابه على صفحة الفايسبوك، إذن موقعنا وحسابنا مفتوح لكل المتابعين والمهتمين، ومرحبا بكل التعليقات خاصة الناقدة منها، فقد تكون لدينا نقاط خفية نغفل عنها وبإمكان المتابعين أن ينبهونا إليها، فهدفنا هو استقطاب الأفكار والآراء.
حدثنا عن مسألة إدارة الجامع الأعظم، هل تمت وإلى أين وصلت؟
-لدي رأي في هذا الخصوص وهو أن يكون الجامع الأعظم هيئة عليا مثل هيئة إدارة الحرمين الشريفين، أو أن يكون مثل الجامع الأزهر، يعني على أن يكون الجامع الأعظم هيئة عليا متصلة مباشرة برئيس الجمهورية، ورئيسها الحقيقي والشرفي هو رئيس الجمهورية، ولا يكون كالوزارات أو الإدارات الأخرى.
كيف ترون علاقة المجلس الإسلامي الأعلى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين؟
-علاقة المجلس الإسلامي الأعلى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي علاقة تعاون ثقافي، فأهدافنا متماثلة إذ لا يوجد تناقض حتى وإن لم نتطابق تماما لكن لا يوجد تناقض وهذا هو الأساس، كما لابد أن يكون هناك تباين فمجال النشاط متباين، أما الأهداف الوطنية والثقافية فهي واحدة، لكن كل مؤسسة لها جانبها وزاويتها، فالجانب الذي يتناوله إخواننا وأصدقاؤنا في جمعية العلماء المسلمين نتناوله نحن من جانب آخر.
كلمة ختامية لجريدة البصائر؟
-أنا من القراء الأوفياء لجريدة البصائر لا يفوتني أي عدد منها وأحتفظ بها ونظمت أرشيفا خاصا بها، ونحن على أبواب شهر رمضان فما يفرضه ديننا ووطنيتنا وتاريخنا هو أن نكون أمة واحدة، فإذا سلمت الجزائر وسلمت حدودها بفضل الوطنيين المخلصين المحافظين على وطنهم الذين يبعدون عنه كل سوء سواء مباشر أو غير مباشر، ففي شهر رمضان ندين للمواطنين الذين يمنعون عن الجوع ويوفرون الغذاء ويمنعون عن المرض ويوفرون الدواء، ويمنعون عن العدوان ويحفظون حدودنا، كذلك شهر رمضان فرصة لنوحد فيما بيننا، لابد أن ينظر بعضنا إلى البعض الآخر نظرة احترام وتواصل ومحبة، نحن في حاجة شديدة جدا إلى أن يحترم بعضنا البعض الآخر، وأن نخرج من الأنانية، فالأنانية أصبحت سلوكا نراه في الطريق وفي السوق وفي الإدارة، هذه الأنانية هي في الحقيقة مرض يصيب النسيج الاجتماعي فلابد من خلال علاقاتنا مع الآخر أن نحتكم إلى الأخلاق، وأن نحتكم إلى حق المواطنة، لابد أن نحتكم إلى الواجب الذي يفرض علينا أن يحترم بعضنا البعض الآخر وأن لا يتعدى بعضنا على الآخر.