التصــــرف السيــاســــي فـــي الإســــلام بيـــن الثابــت والـمـتغيــــر غربــــــة التأصـيـــل الإســـلامـــــي (1)
أ. مرزوق خنشالي/
قد يتساءل المرء، لماذا الكتابة عن التصرف السياسي أو الخلافة الإسلامية أو الإمامة، أو ما يطلق عليه اليوم في الفكر السياسي المعاصر النظام الإسلامي أو نظام الحكم في الإسلام أو الدولة الإسلامية في مثل هذا الظرف الراهن؟!.. هل هي مجرد ترف فكري،.. وهل التفكير في الخلافة مجرد حنين إلى الماضي، وبحث عن الهوية الضائعة، بحث عن “التراث” وسط أكوام الدعوات الحداثية والعولمية والكوكبية؟!.. أم أنها فريضة شرعية وضرورة مجتمعية وحاجة واقعية في حياة الأمة الإسلامية بصفة خاصة وحياة الإنسانية بصفة عامة؟
ثم لماذا الكتابة عن التصرف السياسي في الإسلام وقد أصبح اليوم لغزا من الألغاز المحيرة، وخليطا من أجزاء متناقضة يستخرج منها للناس ما راق لهم أو نفق في سوقهم؟ ولماذا الكتابة عنه اليوم وقد كثرت تلك الدعوات التي ترفع الشعارات الممنية للأمة بالنهوض، وكثرت تلك الندوات والملتقيات والمؤتمرات، التي تبحث عن مشروع نهضوي لهذا الشعب أو ذاك؛ فهذا يرفع شعار اليسار يقابله ذاك يرفع شعار اليمين، وهذا يرفع شعار الشمال يقابله ذاك يرفع شعار الجنوب… وكثرت الشعارات والشعارات المقابلة، وغرقت الأمة في الدعوات والدعوات المقابلة… ومعظمها طيور تغرد خارج أسرابها، وطاقات تصرف في غير أبوابها؛ تهدر فيها مقدرات الأمة وتضيَّع فيها أوقاتها وتصرف فيها طاقات شبانها وتكرَّس بها غيبوبتها ومعاناة أبنائها؟…
ولماذا الكتابة عن التصرف السياسي في الإسلام والمسلمون يعيشون غيابًا عن الإسلام في واقعهم، ويحيون غرباء في أوطانهم، حياةً على أنماط غربية، تتحكم فيهم مفاهيمها، وتسيرهم دساتيرها، ويقودهم منطقها؛ الذي تسلل إلى عقولهم وعشش في أذهانهم، حتى شكل لديهم المرجعية العليا، التي لا يمكن لهم أن يحيدوا عنها قيد أنملة، أو يصدروا عن سواها في أحكامهم وتقييماتهم، بل وفي تصرفاتهم وأفعالهم… أم أن كل ذلك منطق ودساتير ومفاهيم جوفاء مشبعة بالابتذال والكذب والتمويه والأثرة المادية والتفسخ والتحلل، مصطلحات مفرغة من القيم الإيجابية في أغلبها! لا تحمل في طياتها قيمًا إنسانية عالية، ولا روحًا أخلاقية صادقة..!!!
في مثل هذا الظرف الذي فقد فيه الإنسان المسلم الانسجام مع نفسه؛ وتصدعت لديه متاريس الحماية الذاتية في أغلب مواقعها وأمام هجمة الاستعلاء والاستكبار الغربي المسلح بالمال والإعلام والسلطان والغرور. حتى بات يتعسر على الباحث أن يصدع بالمنطق المعاكس، متكلمًا عن الصدق والأمانة والإخلاص والإيثار والتكافل الاجتماعي.. وغيرها من أخلاق السياسة في الإسلام، دون أن يوصم بالطوباوية والخيال… هذا إن لم يتهم بالجنون والخبال.
من هذه الثنائية الخطيرة جاءت الحاجة الماسة إلى التدقيق في المسألة للكشف عن الوجه الحقيق لـ: “التصرف السياسي في الإسلام” وبيان سبل التفاعل معه و تفعيله مع الواقع المعاصر من غير ابتذال ولا جمود رجاء أن ينقشع به الظلام الفكري الضارب أطنابه في المجتمع، وتنكسر أغلال الجامدين على مقولات الماضين دون تمييز بين الثوابت والمتغيرات، وتلجم أفواه من أعلنوا سفها أن الإسلام ما جاء للمجتمع الإنساني بنظام اجتماعي ولا سياسي أصلا.. ومن استغلوا الغياب الحضاري لأمتنا الإسلامية؛ وأرجعوا أسبابه إلى المبادئ التي جاء بها الإسلام وزعموا أن الحاجة ملحة للبحث عن بديل… لعلنا نساهم بهذا الجهد المقل في إخراج نور يستضيء به المتسكعون في ظلمات الضلال، ويهتدي به الحائرون في ردهات الفكر القاصر. وهم اليوم في أشد الحاجة إلى مثل هذا النور، وإن كانوا لا يشعرون…
وقبل ذلك نبدأ بتبيان جملة من القضايا والمفاهيم التي اعترتها بعض الإشكالات الشرعية والفكرية فتحولت على مر الزمن إلى عقبات فكرية في طريق التواصل الفكري بين نخب الأمة لإدراك حقبقة التصرف السياسي في الإسلام ومدى صلاحيته لإصلاح المجتمعات…
يتبع