معارك ثقافية وهمية 02

أ. عبد القادر قلاتي/
من المعارك الفكرية الشهيرة في حياتنا الثقافية المعاصرة، تلك المعركة التي جرت بين الشيخ الأزهري علي عبد الرازق عندما أصدر كتابه: «الإسلام وأصول الحكم» وبين مشايخ الأزهر الذين ردّوا على كتابه، ردوداً علمية وفندوا ما ذهب إليه في مسألة الحكم والدولة، وقد تركت هذه المعركة الثقافية آثارًا كبيرة على امتداد التاريخ المعاصر بين التيار الأصيل في الأمة، وبين التيار الذي نشأ على عين المشروع الاستعماري الغربي، ورعته حركة العلمنة المشبوهة التي كانت الظهير الثقافي لهذا المشروع، ثمّ المعركة الموهومة التي اخترع تفاصيلها الأديب الراحل طه حسين في كتابه الشهير: «في الشعر الجاهلي»، وكانت معركة لها امتدادات سلبية على حياتنا الثقافية وإلى يومنا هذا، لكن مهما قيل عن هذه المعارك وأصحابها ومن أداروها، إلاّ أنّها معارك فكرية وثقافية حقيقية، جرت بين أطراف تمثل -حقيقة – الإطار الفكري والثقافي داخل الأمة، أما هذه المعركة التي تدار اليوم في بلادنا، ومحورها رجل لا تستطيع أن تجد له تصنيفاً معيّناً في سلم الثقافة والفكر، فلا هو بالأديب، ولا هو بالباحث أو المفكر، ولا هو بالعالم أو الداعية، فكيف سوّلت له نفسه اقتحام هذا الميدان الخطير؟، وهو التكلم في المسائل الدينية دون التزود بعدة معرفية ترتبط بميدان له منهجه وأدواته العلمية، فالخوض في هذا الميدان -أي ميدان الدين – يستوجب ثقافة واسعة، واطلاعاً منقطع النّظير في النّصوص التأسيسية، إلى جانب الكم الهائل من الأقوال والتفاسير المكونة لموروثنا الديني منذ ظهور الإسلام وبداية لحظة التدوين التي أطرت جملة المفاهيم المشكّلة للتصور الإسلامي العام، للإنسان والمجتمع والدولة، وإلى يوم النّاس هذا. مع ما طرأ على حياتنا من تحولات فكريه وثقافية واسعة، وما تبذله المجامع الفقهية، والهيئات العلمية، والكليات الشرعية، والمدونات والتآليف التي لامست الكثير مما استجد في حياتنا المعاصرة، في ظلّ كلّ هذا الزخم العلمي والمعرفي الكبير، يبرز رجل -مثل جاب الخير – ثقافته مزجاة ووعيه محدود بحركة الثقافة الإسلامية -تراثا وتجديدا – والعالمية في شقها النّقدي للامبريالية الغربية المتسلطة على المجال المعرفي في العالم، حيث بدأت تبرز نماذج معرفية متجاوزة للنموذج المعرفي القديم، بعيداً عن الايديولوجيات المعهودة، والمرتبطة بمجمل المنتوج المعرفي الغربي الرأسمالي، لا أظن أن رجلا مثل جاب الخير، والكثير من أمثاله، اطلعوا على الكتابات التي أنتجها حقل السوسيولوجيا فيما أصبح يعرف بـ»سوسيولوجيا الإسلام» أو «أنثروبولوجيا الإسلام»، وذلك الكم الهائل من الدراسات التي تناولت الإسلام بالدراسة، وأنتجت قراءات مهمة في الجامعات الغربية، في أوروبا وأمريكا، لا أظن أن تيار العلمنة بعمومه ينتبه لهذه الدراسات، وهذا التحول المعرفي الذي يصدر في الغرب، وفي كبرى الأكاديميات، لأنّه ببساطة شديدة ما زال رهين ثقافة مؤدلجة مريضة بالعداء للأديان وفي مقدمها الإسلام، وهيهات ثمّ هيهات أن يفلح القوم، في معركة خاسرة ابتداء، (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ..).