على بصيرة

شحذ الهمّة وتنظيم «اللمّة» لبناء مقر الأمة

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

براءة الذمة، إلى الأمة، من كل المساعي الجمّة، التي بذلناها للحصول على مقر لجمعية العلماء وهي جمعية الأمة.
لقد بُحت أصواتنا، وتنوعت صِلاتنا، وتعددت توجهاتنا، ولكن تأكدت خيباتنا، ولم تبق إلا آهاتنا، وتأوهاتنا.
آن الأوان –إذن- أن نعلن عن غلق الأبواب الرسمية من طرف جمعية العلماء للحصول على مقر لائق بها، أسوة بكل الجمعيات، وإنصافا وعدلا لما قدمته –هذه الجمعية- من انجازات وتضحيات.

وإنه ليحز في قلب كل جزائري حر، هذا التجاهل الممقوت لمطالب الجمعية وحقها في الحصول على مقر في مستوى ما قدمته للجزائر، من مدارس، ومغارس، ومن معاهد ومساجد، فكانت الحقيقة العريانة التي لا يماري فيها إلا ضال أو مضل، وهي التصامم عن النداء، والتنكر وعدم الوفاء للعلماء، والشهداء منهم، والمصلحين الصلحاء.
ويسوؤنا والله، أن نتساءل عن سبب كل هذا الجفاء للعلماء. فهل للجمعية أعداء، يناصبونها العداء؟ وماذا ينقمون على جمعية العلماء، وهي أم الجمعيات في الأساس، وخير جمعية أخرجت للناس؟
ويسوؤنا أكثر أن يمتد موقف العداء للجمعية، طيلة عقود من الزمن، ومع كل المتعاقبين على الحكم، فالمعادون للجمعية، منذ القديم، يقصرون كل جهدهم على التنقيص منها، وهم في الحقيقة، وبلغة الإعراب النحوي، إنما هم أعداء العروبة والإسلام، والتي تحمل الجمعية شعار الدفاع عنها.
ويبقى –مع ذلك- للجمعية وقارها، وفي الميدان الوطني آثارها، وفي المجال السياسي شعارها، ولها أنصارها، وللمبادئ ثباتها وانتصارها، ومن الانحرافات المختلفة مواقفها، وإلى عمل الخير والبناء مقاصدها.
إن العدوان على الجمعية تنوعت ينابيعه غير أن الجامع المشترك الأسفل بين الجميع هو أنها أصّلت للعروبة حقها في هذا الوطن، وأثبتت للعربية حظها في ألسنة أبنائه، وعمقت الإسلام في قلوب، وعقول، وسلوك الجزائريين.
فلعل لهذه العوامل أثرها، في التصامم عن مطالبنا، ويزيد على هذا استقلاليتنا في اتخاذ القرار، وشجاعتنا في الجهر بالحق، لما يُعتقد أنه ضار.
من هنا جاز لنا أن ننفض أيدينا من كل مسعى للحصول على المقر اللائق، وأن نحتكم بدل ذلك إلى الشعب الجزائري في إيجاد مقرنا، وأن نفوض أمرنا بعد الخالق إلى الخيّرين من الخلائق.
إننا نناشدهم جميعا أن يمدونا بمالهم الحلال، ويدعموننا بتأييدهم الفعال، ويشجعونا على البقاء، في طريق الحق والاستقلال.
فقد عرف الشعب الجزائري بالحجة والبرهان، أن جمعية العلماء، ثابتة على المقومات الحضارية، التي تثبت للأمة وجودها فانخرطت فئات الشعب في الذود عن الجمعية، وتحصين الوطن بها، وذلك بالمساعدة على سقي غرسها، حتى يتحصن المواطن الجزائري ضد كل أنواع الرياح والعواصف التي تهب لاقتلاع نبتها.
نحن نعتبر –اليوم- أن رأس المال الحقيقي الذي يجب أن نستثمر فيه هو الشعب، وأن الطلائع الموكول إليها بناء بيت الأمة هم المصلحون الطيبون، من أصحاب المال ورجال الأعمال، والمواطنين من ذوي الخصال.
إننا ندعو الجميع إلى التبرع بالأرض، وأداء واجب البناء، وهو في حق المواطنة فرض ونحن واثقون من أن الخيّرين من أمتنا، وهم كثر، سوف يلبون النداء، ويعلون البناء، ويضربون المثل في البذل والعطاء. ونذكر الجميع بأن مقر الجمعية المنشود، نريده أن يكون مجمّعا جامعا، يضم المعهد الذي فيه تتكون الأجيال، والمصلى الذي يصحح الأقوال والأفعال، والإقامة التي تستقبل الوافدين من الصحاري والسهول والجبال، وقاعة للمحاضرات تفصيحا للألسن، وفكا للعقال.
نبني –إذن- بيت الأمة، ليكون نموذجا شموليا، في تكوين المواطن الصالح، وقِبلة علمية للعالم المصلح المكافح، ومنارة إشعاع يشع منها النور الساطع.
ولكي يكون هذا الانجاز عمليا، فإننا نعلّم الجميع، درس تحاور الخلاف، والعمل بأدب الاختلاف، لذلك ندعو المخالفين لنا في الرأي، وحتى المعادين لنا في السعي، ندعوهم إلى كلمة سواء بيننا ويبنهم، فنقول لهم: «ليكن الوطن هو الجامع بيننا، إذا لم ترتقوا إلى مستوى الإسلام، ولتكن العربية وهي لغة الثقافة الشاملة لنا، إذا لم تكن العروبة، ولتكن المواطنة، إذا لم تكن الوطنية، وكلها رموز لحسن الجوار، وقرب الدار، والوعي بالحفاظ على التراث والآثار.
لقد أدبنا الإسلام فأحسن تأديبنا، فنحن بفضل هذا الأدب، ليس لنا من عدو إلا من عادى الوطن، وثوابت الوطن، فنحن نمد أيدينا إلى المخالف والمحالف، ونؤمن بأن هذا الوطن يبنيه الجميع، على أسس التقوى، والتسامح، والحب، والاحترام.
إن الأمل معقود، على أن تضطلع بهذه الرسالة جمعية العلماء، ولكي تتمكن من أداء رسالتها، على أحسن وجه، مطلوب من كل أحرار الجزائر وحرائرها أن يمكنوا الجمعية من أداء رسالتها على أكمل وجه، وذلك بتمكينها من بلوغ القمة التي لا تكون إلا بشحذ العزم والهمة، وجمع الكلمة وتنظيم «اللمّة»، لبناء مقر الأمة».
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com