فقه العربية/ الاستحسان في النحو وأمثلة عليه
عبد الله أحمد/
الاستحسان: هو: «ترك قياس الأصول لدليل»، أو هو: «الاعتماد عند ترجيح حكم على حكم على الاتساع والتصرف دون علة قوية»، ويقول عنه ابن جني: «وجماعه أن علته ضعيفة غير مستحكمة، إلا أن فيه ضربًا من الاتساع والتصرف».
وللاستحسان نوعان:
أولهما: استحسان العرب: وهو كل ما استحسن العرب ونطقوا به لغتهم؛ كي تتطور وتؤدي الفائدة من النطق والكتابة بها، وعليه كل شواهد الاختصار السابق ذكرها، ويجب الأخذ بما استحسنه العرب؛ لأنه «ينبغي أن تعلم أن الذي نستحسنه نحن في زماننا هذا هو الذي كان عند العرب مستحسنًا، والذي نستقبحه هو الذي كان عندهم مستقبحًا»، ويمكن أن يلجأ العرب للاستحسان إلى «استحسان المشاكلة، أو المناسبة اللفظية أو الجوار، أو نحو ذلك، وتفضيله على الاستصحاب».
ثانيهما: استحسان النحاة: وهو ما استحسنه النحاة وارتضوه، وذلك بعد عرضه على الأصول النحوية السابقة؛ كالسماع، والقياس، والإجماع، وهذا النوع أيضًا وجدناه في أبواب الاستغناء السابق ذكرها.
وبعد فقد تعرفنا على أصول النحو التي اتخذها النحاة عمادًا في بناء قواعد النحو، وهم استنبطوها من كلام العرب، وطبقوها على كلام العرب، فنجد النحاة قد نسبوا الاستغناء والاختصار والحذف وغير ذلك إلى العرب؛ لأن (المستغنى به) و(المستغنى عنه) من كلام العرب وعلى مثلهم، والاختصار والاستغناء والإيجاز، وغير ذلك سمع عن العرب، واكتشفه النحاة خلال طردهم لقواعدهم وأقيستهم؛ فما شذ عن قياسهم أمعنوا النظر فيه، وقالوا فيه بالاستغناء أو الاختصار، كما أوَّلوا غيره أو حملوه على المعنى.. إلخ.
وفي ثنايا حديثهم عن الاختصار لدى العرب اجتهد النحاة وعللوا لشواهده، ووجدنا أن هذا الاختصار قد أجمع عليه العرب والنحاة في معظم صوره وشواهده، وعرفنا أن النحاة قد تابعوا العرب في استحسانهم لمظاهر الاختصار ووسائله وشواهده وصوره، ومن ذلك ما ذكره ابن جني: «إنهم قد يستعملون من الكلام ما غيره أثبت في نفوسهم منه؛ سعةً في التفسح وإرخاءً للتنفس، وشحًّا على ما جشموه فتواضعوه، أن يتكارهوه، فيلغوه ويطرحوه، فاعرف ذلك مذهبًا لهم»، ومنه أن العرب قد استغنت بقولها (إلا) عن(أستفهم)، واستغنوا بقولهم (ما) عن (أنفي)، وكذلك استغنوا بقولهم (يا) عن الفعل (أدعو أو أنادي)، «فتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف هي الناصبة في الأصل، فلما انصرفت عنها إلى الحروف طلبًا للإيجاز، ورغبةً عن الإكثار، أسقطت عمل تلك الأفعال؛ ليتم لك ما أنتجته من الاختصار».
والعرب هم الذين استحسنوا (ترك)، وتركوا (ودع)، واستحسنوا جمع القلة، وتركوا جمع الكثرة، والعكس في المواضع السابق ذكرها، ومن المؤكد أن الاستغناء كله قائم على الاستحسان لدى العرب الفصحاء؛ لذا وجب الأخذ به؛ لأن العرب كثيرًا ما عبروا عن المراد بلفظ غير الموضوع له لضرب من الإيجاز والاستحسان».
فنحن بالعرب لاحقين، وعلى سمتهم آخذين، وبألفاظهم متحلين، ولمعانيهم وقصورهم آمين.
وأما أمثلة الاستحسان، فمنها أن فعل الأمر لا يشابه الاسم؛ حتى يحمل عليه في الإعراب بخلاف المضارع، فإنه يشبه الاسم لوجود حرف المضارعة، وليس في لفظ الأمر هنا حرف مضارعة يشبه به الاسم؛ فعند ذلك يجب أن يكون مبنيًّا، ومن ذلك ما كان على (فعل)، فإنه على (يفعل)، وليس لمصادر المضاعف ولا الثلاثي كله قياس يحتمل عليه، وإنما ينتهي فيه إلى السماع أو الاستحسان، ومن ذلك أعني الاستحسان أيضًا قول الشاعر:
أقائلن أحضروا الشهودا
فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهًا له بالفعل المضارع، فهذا إذًا استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة، ومن الاستحسان قولهم: «صبية، وقنية، وعذي، وبلى سفر، وناقة عليان، ودبة مهيار… فهذا كله استحسان لا عن استحكام علة؛ وذلك أنهم لم يعتدوا الساكن حائلاً بين الكسرة والواو لضعفه.
والشواهد على الاستحسان بنوعيه كثيرة، فظاهرة الاختصار قائمة على الاستحسان، ومما سبق يتأكد لنا أن الاختصار أخذ مشروعيته من علاقته الوطيدة والعضوية بأصول النحو العربي، وجاءت ظاهرة الاختصار متوافقة مع أصول النحو العربي.