ظاهرة شحرور والتنوير الاسلامي المتهافت-01

يلاحظ كلّ من يتابع مسار الفكر الاسلامي الأصيل، حالة الفتور التي أصابته حتى تحوّل مع مرور الأيام إلى وضع مغلق، جعل الساحة الاسلامية تقتات من مائدة التراث الفكري والديني حتى في المسائل التي تتصل بالواقع المعاصر، وإذا استثنينا بعض الملامح التجديدية هنا أو هناك لقلنا أننا نعيش (دينيا) في زمن غير زماننا، قد يكون هذا الكلام قاسياً، إلاّ أنّه الواقع الذي لا مفر منه، وبالرغم من الدعوات التي ترفع مطالبة بالتجديد داخل المجال التداولي للفكر الإسلامي إلاّ أنّ هذه الدعوات سرعان ما تلقى معارضة شديدة وشرسة من تيار نظام التراث، حتى وصل الأمر باتهام علماء كبار في دينهم، وقد حدث هذا مع الشيخ محمد الغزالي عندما كتب كتابه الشهير: “السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث“.
إنّ هذا الواقع الأليم الذي تعرفه الساحة الإسلامية هو من فتح الباب أمام الفكر المشوه المنعوت ظلماً وعدواناً بالفكر الاسلامي المستنير الذي يخدم حركة الاستشراق ويواصل مسارها داخل الفضاء الإسلامي فهذا الفكر الذي يتحرك خارج الإسلام ويعمل على تشويه الحقائق الاسلامية الواضحة والمحسومة فكرياً منذ بواكر الفكر الاسلامي الأصيل يواصل –بلا ريب- حركة الاستشراق الغربي التي تسلمت زمام التشويه مصاحبة للمشروع الاستعماري الغربي، ولعلّ تأثير هذا الفكر في البنية الثقافية للأمة، أشدّ من تأثير الاستشراق ذلك أن دعاته من بني جلدتنا ويتكلمون لغتنا، وفيهم من هو عالم ومتخصص في تاريخ الفكر الإسلامي مثل الدكتور محمد أركون، الذي له تأثير كبير في الاوساط الأكاديمية ويحظى بالتقدير والاهتمام الكبيرين عند قطاع هائل من المفكرين وأساتذة الجامعات في الغرب وفي العالم العربي، لكن مشروع أركون بالرغم من قيمته العلمية والمعرفية، يظلّ حبيس دائرة ومجال الدراسات الأكاديمية وتأثيره في المجال العام يكاد ينعدم، والأمر ينطبق أيضا على المرحوم الدكتور نصر حامد أبو زيد، وهو أقلّ قيمة علمية من الدكتور محمد أركون، لكن هناك أسماء أخرى تنتمي الى هذه الدائر الفكرية، ويلاحظ أنَّها أصبحت تشكل ظاهرة فكرية كبيرة، تجد القبول والمتابعة حتى داخل التيار الإسلامي وفي مقدم هؤلاء الكاتب السوري الدكتور محمد شحرور، الذي خرج علينا بكتاب شهير أحدث ضجة كبيرة حين صدوره في بداية التسعينيات، وهو كتابه الموسوم بـ”الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة“، ربما هذا الكتاب هو ملخص مشروع شحرور الفكري وكل ما كتبه بعد ذلك ليس إلاّ تهميشاً له أو تكراراً وإضافة، فهذا الكتاب وما فيه من أفكار هو عدّة الدكتور شحرور الفكرية، ومنتهى ما يطرحه اليوم في برامجه التلفزيونية التي أعادت الدكتور شحرور الى الواجهة بعد أن كادَ النّاس أن ينسوا..وسيكون هذا الكتاب محور مقالة الاسبوع القادم بإذن الله…