معهد حفصة أم المؤمنين لحفظ المتون وعلوم الشرع نـــــداء ورجاء
يكتبه: حسن خليفة/
«الحفظ نعمة من نِعَمِ الله الكُبرى، يُنعِم بها على مَنْ شاء من عباده، فيُوفِّقْه لحفظ النصوص واستحضارها متى شاء، والحفظ عند السلف نوعان:
• حفظ الصدور.
• حفظ السطور.
والأول أفضل، ومن المتقنين من السلف مَنْ كان يجمع بينهما؛ فمثلًا الإمام أحمد بن حنبل كان يحفظ ألف ألف حديث، إلاّ أنّه ذُكر عنه أنه لم يكن يُحدِّث إلا من كتاب ولا يُناظر إلا من كتاب؛ خوفًا من الوهم. ولا يكفي (في العلم) الفهمُ فقط دون الحفظ -كما يزعم بعضهم – بل لا بدَّ من الحفظ المتقَن كما في العلوم الأخرى؛ كالرياضيات والإنجليزية والقانون، وكثير من العلوم والمعارف؛إذ لا بدَّ لها من الحفظ مع الفهم»(*)
إنّ حاجة المجتمعات والأشخاص للعلم مرتبطة بحاجاتهم الى الحياة؛ وكلّ زمان يفرز احتياجات جديدة وفق معايير يفرضها التغير الزماني والتطور العلمي، إلاّ أنّ بعض العلوم تبقى الحاجة إليها مستمرة كحاجة الانسان الى دين ينير له الطريق ويعينه على معرفة ربه والاستقامة على طريقه.
لقد ظهرت علوم إسلامية كثيرة كعلم تفسير القرآن، وشرح الحديث، والنحو العربي، والبلاغة وأصول الفقه، والفقه… وغيرها من العلوم؛ وانقسمت مراحل هذه العلوم إلى مرحلة التأسيس أو التأليف ثم الشرح، ثم الاستدراكات والحواشي ونظم المتون، وكانت هذه الأخيرة نقلة نوعية لهذه العلوم؛ حيث جمع بعض جهابذة العصر قواعد ومصطلحات علوم معينة في «متون» قد تكون شعرا،وقد تكون نثرا، فتوجه طلبة العلم إلى حفظها خوفا من ضياعها واندثارها، فتوارثت الأجيال فكرة حفظ المتون الى يوم الناس هذا.
ومع بروز التكنولوجيا وانتشار أدواتها ووسائلها ابتعد الناس عن الحفظ،ظنّا منهم أن الحفظ لم تعد له مكانة، مع وجود كل تلك الوسائل، بما في ذلك الحفظ الإلكتروني. غير أن ظهور فكرة بعض المعاهد الالكترونية الخاصّة بـ«تحفيظ المتون» كانت ناجحة جدّا إلى حد بعيد، ممّا أعاد الاعتبار والأهمية لطريقة ووسيلة «الحفظ» إلى السطح من جديد، بل وعزّز تذكير طلبة العلم بأهمية «حفظ الصدور»، لصون هذه العلوم الشرعية الشريفة وحفظها، والمحافظة عليها من الضياع؛ لأنها كنز الأمة وخزانتها العلمية وميراثها القويم الشريف.
وتأسيسا على ما سبق فإنه صار من الواجبات الشرعية والعلمية الأساسية الاهتمام بهذا الأمر، والسعي إلى إنشاء معهد حقيقي (واقعي) تتبنّاه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، خاصة بعد نجاح المعهد الإلكتروني الذي عُرف باسم «معهد أم المؤمنين حفصة لحفظ المتون» والذي يهتم بتحفيظ المتون في شتى العلوم مثل:
ـ الورقات في أصول الفقه؛
ـ تحفة الأطفال والمنظومة الجزرية في أحكام التجويد؛
ـ والأجرومية في النحو؛
ـ والبيقونية في مصطلح الحديث ..وغيرها من المتون التي ينبغي لطالب العلم حفظها
وقد أشرفت عليه الأخت ليلى جوادي (طالبة ماستر عقيدة ـ كلية العلوم الإسلامية والاجتماعية ـجامعة باتنة، وهي حاصلة على عديد من الإجازات والتزكيات من علماء أفاضل مثل الشيخ أبوعامر تقي بن علي المصري، ووحيد بالي، والشيخ المعصراوي. ما سمح لها أن تقدم دورات على «التلغرام»(صوتية). وقد حقّق عملها الطيب الكثير من النجاح في أوساط النساء والبنات والناشئة من الأطفال(ذكورا وإناثا) فأجازت الكثير منهم. وكل هذا عظّم شأن الإقدام على فتح هذا المعهد (معهد أم المؤمنين حفصة ـ في باتنة) والذي سيكون فيه التدريس في شقين: حضوريا وإلكترونيا لمن لم يستطع الحضور؛ خاصة وأن النشاط الإلكتروني السابق (باسم المعهد) استقطب فئات كثيرة؛ حتى من خارج بلادنا كلبنان، وسورية، ومصر، والمغرب.
إذن لقد حقق معهد أم المؤمنين نجاحا ملحوظا في فترة زمنية لم تتعد ثمانية أشهر؛(2020) حيث أجيزت فيه عشرات الطالبات، ومنحت فيه أكثر من 400 إجازة إضافة الى تخرج عشر طالبات بشهادة المستوى الأول للانتقال بهن للمستوى الثاني.
ودلّ الإقبال الكبير على أهمية هذا الأمر، ووجوب العمل والسعي لتحقيق المرادات الشرعية فيه بتوفير الوسائل والإمكانات المطلوبة.
إنّ واجب المجتمع والأمة واضح بيّن، كما أن واجب الجمعية أيضا واضح بيّن، ويتمثل في العمل على تيسير توفير فضاء لتحقيق هذه الأمنية الغالية التي تفضي إلى إنشاء» معهد لتحفيظ المتون وكل ما يتّصل بها من معارف الشرع واللغة والدين، يسهم في تحفيظ أبناء وبنات الأمة وإعدادهم/ إعدادهنّ إعدادا متينا أصيلا ليكونوا مشاريع علماء وعالمات في مختلف المجالات.
يحتاج الأمر في بداياته إلى شقّة من ثلاث أو أربع غرف تُدار منها شؤون هذا المعهد حضوريا وإلكترونيا: أقسام للدراسة والحفظ، إدارة، غرفة مجهّزة بالانترنيت خاصة للإدارة الإلكترونية، مرافق ضرورية، غرفة للأساتذة أو الأستاذات. وبالنظر إلى التجربة السابقة الناجحة في معهد حفصة أم المؤمنين الذي اشتغل على مدار الشهور السابقة سيكون ذلك رافدا معزّزا للنجاح بعون الله.. فيا أهل الخير والفضل.. هذا نداء صريح إلى تبنّي هذه المؤسسة الغالية في شكل معهد تنافس به الجمعية في مجال العلوم النافعة غيرها من الهيئات والمؤسسات الإسلامية الناجحة هنا وهناك وإن الأمريسير على من يسـّره الله عليه:.. همّة، وإرادة، وانبعاث وتبنّي هذا المشروع والتكفّل بتمويله وإعداد ما يجب بشأنه.وإنّ (شقّة مجهّزة) كافية للانطلاق في عمل كبير عظيم نافع بحول الله. ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ. هذا نداء لأهل الغيرة والدين… اللهم إني قد بلغتُ.
(*) أهمية حفظ المتون عند السلف: إسماعيل عباس
للتواصل:khelifa4@yahoo.fr