لن ينقذ البلاد تحديد نسل العباد…/بقلم الأستاذ: محمد العلمي السائحي

يدور هذه الأيام حديث حول اتجاه قانون الصحة المرتقب عرضه على البرلمان للمصادقة عليه، السماح بالإجهاض، والنزوع إلى تحديد النسل، وقد انقسم الناس ما بين مؤيد لذلك ومعارض له، وقد بررت وزارة الصحة توجهها لتقنين الإجهاض، وتحديد النسل بمبررات منها:
ـ أن تقنين الإجهاض سيسمح بحماية الأم وإنقاذ حياتها من التلف.
ـ أنه يسمح بالتخفيف من الأعباء المترتبة على الدولة والعائلات، جراء مجيء مواليد مشوهين تكلف رعايتهم أموالا طائلة.
أما بالنسبة لتحديد النسل فمبرراتها هي:
ـ أن النمو الديموغرافي يسير بوتيرة أسرع من النمو الاقتصادي، وبما أن الدولة تمر بضائقة مالية حادة، فإن تحديد النسل يعتبر آلية هامة لتخفيف الأعباء المالية وتمكين الاقتصاد من النمو بوتيرة أفضل، تمكنه من التوافق مع النمو الديموغرافي.
ـ أن تحديد النسل يسمح بتحقيق الرفاه للمواطنين، ويمكن الدولة والمواطنين من الاستجابة لحاجيات المواليد الجدد.
تلك هي بعض ما برر به هذا التوجه، الذي يبدو لي أنه لم يأخذ في الحسبان واقع المجتمع الجزائري، الذي هو مجتمع له عقيدة وأخلاق تميزه، تحمله على معارضة الإجهاض وتحديد النسل، إلا في الحدود التي تسمح بها العقيدة التي يؤمن بها، الشريعة التي يخضع لها، كما أن هناك متغيرات على الأرض طرأت على المجال الاقتصادي والاجتماعي، من الواجب اعتبارها وعدم إغفالها، من ذلك أن المجتمع الجزائري بات يعاني من نزيف حاد بسبب توجه الكثير من أبنائه إلى الهجرة إلى الخارج طلبا للحياة الكريمة التي افتقدوها فيه، على الرغم من كل الحواجز والعقبات التي وضعت في طريقهم لمنعهم من الهجرة، وهذا معناه أننا إذا أضفنا إلى عامل الهجرة، عامل تحديد النسل، سيأتي يوم على المجتمع الجزائري، لن يجد فيه السواعد التي تخدمه وتلبي حاجياته، وسيضطر إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية.
ثم هل أن النمو الديموغرافي المتسارع هو وحده المسؤول عن تعثر التنمية وما تعاني منه البلاد من تخلف اقتصادي؟ أم أن هناك أسباب وعوامل أخرى ضالعة في ذلك؟ لا أحد ينكر أن تعطل المشاريع الاقتصادية مرده إلى البيروقراطية الإدارية، والفساد المالي، وسوء التسيير، ولا أحد ينكر أن عجز الدولة عن تلبية مطالب وحاجات المواطنين من سكن ونقل وتعليم وصحة، مرده إلى انعدام التخطيط السليم، وغياب النظرة الاستشرافية للمستقبل على المدى القريب والمتوسط والبعيد، بما يجعل الدولة تسبق بإنجازاتها حاجات ومطالب ساكنتها المتجددة.
وحتى إذا افترضنا أن في تحديد النسل حلا لأزمتنا الاقتصادية، فإن اعتماده كحل فيه مخاطرة بمستقبل المجتمع، فقد ينتهي به الأمر إلى أن يشيخ ويقل فيه عدد الشباب ويغدو غير قادر على تلبية حاجياته ومطالبه، فالأولى إذن أن نبحث عن حل آخر أنسب وأسلم لا يشكل خطرا على المجتمع ولا يسهم في إضعافه.
ثم كيف نفكر في تبني حل كهذا في الوقت الذي نجد فيه دولا أخرى إسلامية كتركيا، وأوروبية كفرنسا تشجع على زيادة النسل وترصد المكافئات لذلك.
علينا قبل أن نفكر في تحديد النسل أن نعيد النظر في أساليب تسييرنا، وأن نكون أكثر صرامة في إدارة الشأن العام، وأن نعيد للعمل قيمته، وأن نحسّن من مستوى التعليم والتكوين، ذلك هو وحده الكفيل بنفخ الروح في التنمية الاقتصادية، وعلينا أن لا نغفل أنه إذا كان للإنسان فم فإن له يدان، وذلك يجعله ينتج ضعف ما يأكل.
علينا لنخرج من هذه الضائقة أن نتصدى للتسيب والإهمال، وأن نحارب الفساد في جميع صوره بكل قوة وحزم، فذلك هو الذي ينقذ البلاد، ولن ينقذها مجرد تحديد نسل العباد…