دَعُوكـــــم مــن الــــورع الكـــــاذب

عبد العزيز كحيل/
ما هذا؟ قوم من «المسلمين» يظهرون التأثر الشديد عند موت فاجر أو جاحد ينكر القرآن والسنة، ويخوضون بغير علم في أمر بالغ الخطورة هو عنصر أساسي في الولاء والبراء.
تأتي ساعة الامتحان الأخير، ويرسب من يرسب، ولا مجال للإعادة والاستدراك، ويلقى من يلقى ربه وقد قضى حياته في حرب ضده وضد دينه ونبيّه، يتبنى الكفريات الصريحة ويسخر من الوحي، ويستهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة، يمضي تلاحقه دعوات عباد الله الصالحين الموجعة الذين طالما آذاهم في دينهم وانتمائهم وعقائدهم وقرآنهم وسنة نبيّهم… لكن المفارقة العجيبة أن يموت أمثال أركون و شحرور وقايد السبسي وإيدير ونوال سعداوي فينبري أصحاب الورع الكاذب لإعطاء المسلمين دروسا في العقيدة والتسامح، يترحمون عليهم ويرسمون لهم صورة الأبرار الأتقياء والأبطال الخالدين، ويرفعون عقيرتهم ضد من ينتقدهم أو يذكر صنيعهم القبيح، بل رأينا عجبا: يجوز لنوال السعداوي –مثلا – أن تبدي رأيها في الله، ولا يجوز لنا أن نبدي رأينا فيها هي وآرائها الشاذة ومواقفها العدائية من الاسلام.
صحيح، تكفير المسلمين من غير بيّنة إثم عظيم، لكننا لا نتكلم عن أمور متشابهة ولا مواقف ضبابية ولا أشخاص مختلف في حالهم، بل نتكلم عن أشخاص يعلنون كفرهم أو قضوا حياتهم يحاربون الإسلام باسم الحداثة والعلمانية، مصرّين كل الإصرار على طعنهم في القرآن والسنة وجميع الثوابت الدينية، يستنكف الواحد منهم عن التلفظ بالشهادتين إذا جوبه بذلك (كما حدث مع واحد من رؤوسهم، هو نصر حامد أبو زيد الذي طولب في المحكمة الذي تنظر في قضية ردّته بإعلان أنه مسلم فرفض، وكذلك الوزير السابق عمارة بن يونس الذي حاجه الشيخ حمداش على المباشر في التلفزيون بأن ينطق بالشهادتين فأبى وأصرّ على رفضه رغم تدخّل الصحفي وإلحاحه في الطلب لدفع شبهة الكفر). المؤمن لا يشك في إيمان المؤمن ولا يشكّ كذلك في كفر الكافر، وفكرة تقسيم الناس إلى مسلمين وكافرين قضية إسلامية قرآنية لا ينكرها إلا الجاحدون للدين أو أصحاب الورع الكاذب الذين يتوّرعون عن البعوض ويبتلعون الجَمَل، من نوع أولئك الذين دفنوا كاتب ياسين على الطريقة الاسلامية رغم أنه قضى حياته يكتب ويصرح تصريحا واضحا لا لبس فيه أنه ليس مسلما، ويعلن إلحاده ويدعو إليه، بل قرأنا آنذاك أنه أوصى بألاّ يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه –تماشيا مع معتقده الإلحادي وتوجه الفكري الشيوعي الجلي -… فما بال هؤلاء ملكيون أكثر من الملك؟ (من الطرائف أو من المصائب أنهم أطلقوا منذ سنوات اسمه على مدرسة قرآنية هناك في قرية من الدشرة…!!! ولعلّهم سيطلقونه على مسجد).
لقد قرر علماؤنا من قديم أن عدم تكفير الكافر كُفر، أي أن الأمر خطير جدا، وهو مسألة عقيدة وإيمان لا يخوض فيه أصحاب الأهواء، وأحكام المرتد معروفة، وهو من صدرت عنه أقوال وأفعال مكفّرة، من غير إكراه تعرّض له، ومن غير سهو عرَضَ له أو زلّة لسان، بل صدر عنه ذلك بإصرار وعناد، ويشمل ذلك الاستخفاف بقيم الدين والسخرية منها، أفليست سعداوي من هذا النوع؟ من جهة أخرى يجب أن نتأمل قول الله تعالى عمّن ماتوا من شاكلة هؤلاء: «فقُطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين» – سورة الأنعام 45، أي يحق للمؤمنين أن يفرحوا ويظهروا الفرح بزوال هؤلاء الذين حادوا الله ورسوله ويحمدوا الله على ذلك، تماما كما يحزنون على موت الصالحين الذين تمسكوا بالدين وخدموه ونصروه، فأين هذا من توجّع قوم «مسلمين» من موت الملحدين المعتدين؟ لأن هؤلاء المقصودين بالكلام هم ملحدون أولا ثم معتدون، يؤذون المؤمنين بإساءتهم لحقائق الدين، وتعمّد ردها وإنكارها، فالحزن على ذهابهم فرح بالإساءة للإسلام، وهذا لا يستقيم عند من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا.
ومما يشاغب به هؤلاء المحزونون زعمُهم أننا نصبنا أنفسنا حُكاما على مصير الناس في الآخرة، ندخل الجنة من نشاء والنار من نشاء، وهذا مجرد حجة واهية ساقطة لإخفاء سوء فعلهم لأننا لا نتكلم على مصير هؤلاء في الآخرة، فالله حسيبنا وحسيبهم، وإنما يقتصر كلامنا على عدم جواز الترحم عليهم فضلا عن إنزالهم منزلة الأبرار بعد موتهم، وإلاّ جاز الترحم على فرعون وأبي جهل وسلمان رشدي والرفع من شأنهم، وإنما يبلغ الأمر منتهاه في البشاعة حين يسلك هؤلاء الناس مسلكهم هذا ليس باسم «الإنسانية» ولكن باسم الدين ذاته !!!يصبحون علماء محققين وفقهاء مدققين يعطوننا دروسا في الرحمة وحسن الظن بالمسلمين، وهي كلمة حق يراد بها الباطل الصريح، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله». – رواه الآمام أحمد… هذا هو مقياس الموالاة والمعاداة.
«ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين»، والحمد لله على نعمة الإسلام.