فتاوى

الموضوع: زكاة الدين، والتنازل عن الدين بنية الزكاة./ محمد مكركب

قال السائل: أقرضت جارا لي مبلغا من المال، وحال عليه الحول، فهل أُخْرِج عنه الزكاة؟ مع العلم أنِّي لم أحدد له وقتا، فاتفقنا على أنه يرده لي متى تيسر له الأمر. وإذا كان لا يجب أن أخرج عنه الزكاة حتى أقبضه، متى أخرج عنه الزكاة بمجرد القبض؟ أم حتى يحول عليه الحول؟

وهل إذا عجز عن رد الدين، أتنازل له عليه وأعتبره زكاة؟ وهل إذا كان علي دين وحان وقت الزكاة أطرح قيمة الدين، وأزكي على الباقي؟ أم أحسب المال كله، وأزكي على الكل؟

الجــــواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.

أولا: قال لله تعالى:﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[المعارج:24/25]. وقال الله تبارك وتعالى:﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[التوبة:103]. فإذا ملك المسلم مالا وبلغ النصاب، وهو في النقود والعروض التجارية قيمة:{85 غراما ذهبا} أو:{595 غراما فضة} وأن يكون المال بيد المسلم، يستطيع التصرف فيه باختياره. والدين لا يتوفر شرط قدرة التصرف فيه إلا أن يتنازل عنه تكرما. وعليه فإن زكاة الدين لا تجب على الدائن حتى يقبضه، فإذا قبضه يخرج عنه الزكاة يوم قبضه، إذا كان مر على الدين حول فأكثر.  وإن كان له نصاب سوى الدين، فإنه إن قبض جزءا من الدين ضمه إلى ما عنده وزكى على الجميع، وإن كان الدائن لا يملك النصاب، فإذا قبض ما دون النصاب ينتظر حتى يبلغ النصاب ويحول الحول.

والله تعالى أعلم.

ثانيا: قال السائل: “وهل إذا عجز المدين عن رد الدين، أتنازل له عليه وأعتبره زكاة؟ يقصد كأن يقول الدائن للمدين العاجز عن دفع الدين الذي عليه: جعلت ما أقرضتك زكاة عن مالي. فالله تعالى يقول:﴿فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ في مال الغني مقدار معلوم يعطى للفقير. والمال يجب أن يكون معلوما، ومملوكا، ومقدرا، فتؤخذ منه الزكاة ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً، والتنازل عن الدين واعتباره زكاة، لا أخذ فيه ولا عطاء. ومن ثم لا يجزئ الدائن إسقاط الدين عن المعسر زكاة. وإنما يعطيه الزكاة إذا كان فقيرا، فإن رد المدين للدائن ما أعطاه تسديدا لما عليه من الدين دون أن يشترط عليه، حينها يأخذه.

والله تعالى أعلم.

ثالثا: وكلمة [للمدين] من كان عليه دين، وحان وقت السداد، وكان قادرا على ذلك، وجب عليه تسديد الدين، فإذا حان وقت إخراج الزكاة، وعليه ديون ولم يسددها لأصحابها، إما أن يسددها حينا قبل وقت إخراج الزكاة، ويصفي ماله إن كان له النصاب، وأما إن بقي ماسكا على مال الغير (الدين) مع ماله، وكان له النصاب وجب عليه إخراج الزكاة عن الكل، لأنه حبس حق الفقير عنده فصار هو المسؤول عنه، وحق السائل والمحروم في المال حيث مال. فلا يليق بالمسلم الذي عليه دين أنه ينقص قيمته من قيمة ماله لا يخرج عنه الزكاة، وفي نفس الوقت لا يدفعه للدائن ليخرج عنه الزكاة، فيضيع حق الفقير.

والله تعالى أعلم.

رابعا: عند التفضل (أي التطوع) هل يصح أن يخرج الدائن الزكاة عن الدين قبل قبضه، وينال الثواب على ذلك؟ أو إذا قبضه أخرج عن كل سنوات زمن الدين؟ نعم، وهذا هو الأفضل والأحسن عندما يجد الدائن يُسْرًا وسعة، وعندما تطيب النفس وتطمئن. ليحتاط الدائن بأن لا يضيع حق السائل والمحروم، من الفقراء والمساكين. وأن يحرص المسلم بشأن الزكاة على مسائل شرعية: أولا: المال الحال، وعند التصدق للزكاة الفرض، أو للتطوع أن ينفق مما يحب. قال الله تعالى: ﴿لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، وقال تعالى: ﴿وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267]، ثانيا: النية والإخلاص.[إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى]. ﴿وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:05]، ثالثا: التزام الوقت، فإذا حان وقت إخراج الزكاة فلابد من إخراجها دون تأجيل متعمد.

ومعلوم لدى المسلم أن الزروع والثمار تخرج زكاتها يوم الحصاد ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام:141].

والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com