فتاوى

الموضوع: بيع العُرْبُون، وبيعُ السَّلَم. (أو بيع الأجل)

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/

الفتوى رقم:501
السؤال
قال السائل (أ.ك) من فرنسا: بِحُكْم عملي في التجارة، التصدير والاستيراد، في التمور، والفواكه، والحبوب، أضطر أحيانا إلى المعاملة بالعربون، فهل يجوز بيع العربون؟ ثم من جهة أخرى أشتري الفواكه قبل نضجها واستوائها، دون أن أعلم كم ينتج البستان أو الحقل؟ وهل السعر الزائد في حالة بيع التقسيط حلال، أم لا،؟ وجازاكم الله خيرا.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم.
أولا: ما هو بيع العربون؟ورد في اللسان: {العَربون (بفتح العين وضمه) أن يقول الرجلُ لِلرَّجُلِ: إِن لَمْ آخُذْ هَذَا الْبَيْعَ بِكَذَا، فَلَكَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي. أي: أَن يتعاقد الرجلان على شراء السِّلْعةَ، ويَدْفَعَ إِلَى صَاحِبِهَا شَيْئًا من الثمن، عَلَى أَنه إِن أَمضَى البيعَ حُسِبَ مِنَ الثَّمَنِ، وإِن لَمْ يُمْضِ البيعَ كان العربون لصاحِبِ السِّلْعةِ، ولا يُعِيده للمشتري الذي تراجع عن الشراء. يُقَالُ: عَرْبَنَ السِّلْعة، وَهُوَ عُرْبانٌ، وعُرْبُون، وعَرَبُون} وهو غير جائز إلا بشروط: 1 ـ أن يكون مكتوبا، ومتفقا عليه بداية وصراحة بأن المشتري إذا لم يشتر السلعة المتفق عليها، فإن المشتري يملك العربون، مقابل تعطيله عن البيع، ومقابل حراسته للسلعة وهو ينتظر المشتري، ولتفويت الفرصة على البائع، والسلعةُ تفقد شيئا من قيمتها عند التأخير، والأمور بمقاصدها،. 2 ـ أن يكون زمن الانتظار محددا بوضوح. 3 ـ أن تكون طريقة البيع بالعربون متعارفا عليها بين البائع والمشتري، أي: في بيئة يتعامل الناس به. فإذا نقص شرط لايجوز. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: بيع السلم:يقال: سَلَّمَ بمعنى أسلف، وسلَّف، وهو أن الرجل المشتري يعطى قيمة ذَهَبًا أوَ فِضَّةً للبائع فِي سِلْعةٍ مَعْلُومَةٍ مقدرة بالوزن، أو بالمكيل، أو بالمساحة، إِلى أَمَدٍ مَعْلُومٍ، فهذه هي صورة بيع السَّلم، وهو جائز، بالضبط كما هو بالمقابل أن يسلم البائع السلعة إلى المشتري، ويبقى الثمن دينا على المشتري إلى أجل مسمى.
وفي البناية في شرح الهداية: {قال: وفي الإيضاح: السلم لغة عبارة عن الاستعجال والسلم والسلف، بمعنى واحد، وخص هذا النوع بهذا الاسم، لأن شرعيته كانت لمعنى يخص رأس المال وهو استعجاله وتحصيله قبل وجود المبيع، لأن الحاجة إليه} وقال في باب مشروعية السلم:
{السلم عقد مشروع بالكتاب، وهو آية المداينة. في قَوْل الله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾(البقرة: 282). (البناية في شرح الهداية:8/328)
ثالثا: قال السائل: {أشتري الفواكه قبل نضجها وقبل استوائها بالجملة، دون أن أعلم كم ينتج البستان أو الحقل} وهذا البيع لايجوز لما فيه من الغرر لما يجهله المتبايعان لما يكون غير مقدر، ولما فيه من صورة المقامرة. ومن أحاديث النهي عن بيع الغرر ما رواه مسلم،عن أبي هريرة، قال: [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر] (مسلم. كتاب البيوع:1513) وورد النهي عن بيع ما لايحصىولايعرف، ففي الحديث.عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ] (البخاري:2183) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى عن المزابنة، والمحاقلة، والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رءوس النخل(البخاري:2186)
والمزابنة: مصطلح فقهي في البيوع، بيع ما لايعلم كيلا أو عددا أوزنا. يعني أن المزابنة: بيع معلوم الْقَدْر، بِمَجْهُول القَدْر من جنسه. والمحاقلة: بيع الزرع أو الثمر قبل ظهور صلاحه. والقاعدة بيع كل سلعة مباحة معلومة بثمن معلوم حلال، إلا ما استثني بنص، وبيع كل سلعة غير معلومة، أو معلومة ولكن بثمن غير معلوم فهو بيع غير جائز. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
وإذن فإن بيع السلم الجائز هو أن يدفع المشتري الثمن في مجلس العقد، وينتظر استلام السلعة المقدرة بالكيل المعلوم، أو الوزن المعلوم، في أجل معلوم، بمعنى يتفق المتبايعان المتعاقدان بأن يقدم المشتري الثمن، مقابل عدد معلوم من مبيع، أو وزن معلوم، أو مكيل معلوم، إلى أجل معلوم. وفي الحديث. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال:[ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ](البخاري:2240) ويشترط تسليم رأس مال السلم في مجلس العقد، كما ذكرت، وفي القوانين الفقهية لابن جزي:{يجوز السّلم بِشُرُوط مِنْهَا:1 ـ أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مِمَّا يَصح تملكه وَبيعه. 2 ـ أَن يَكُونَ الثمن والمسلم من السلعة مُخْتَلفين جِنْسا أي: تجوز فِيهِما النَّسِيئَة. 3 ـ أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مَعْلُوم الْجِنْس وَالصّفة والمقدار}(ص:177) وأن يكون العقد مكتوبا مسجلا موثقا. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم. وإذا عجز المسلم إليه عن تسليم المتفق عليه، أي المسلم فيه عند حلول الأجل، فإن المشتري يكون مخيرا بين الانتظار، إذا تفضل وصبر، إلى حين وجود المسلم فيه، أو يفسخ العقد، ويسترد رأس ماله، وأرى أنه يجب أن تذكر في العقد هذه التحفظات بوضوح، حتى يتحقق المبدأ العام في التجارة، وهو التراضي المسبق. الله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: البيع بالتقسيط: قال السائل: (وهل السعر الزائد في حالة بيع التقسيط حلال، أم لا،؟) شراء السلعة بالتقسيط، يعني شراؤها بالدين على أن يدفع الدين على أقساط معلومة من الثمن في أوقات معلومة. وهذا جائز، يقال: قَسَّطَ الدَّيْن.جعله أقساطا، ليسدد شيئا فشيئا، والقسط من مشتقات القسط، وهو النصيب، والحصة، وهو من العدل. والزيادة في الثمن في البيع بالتقسيط تحدد وقت العقد، ولايُزَاُد في قيمة الأقساط بعد مجلس عقد البيع. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com