في رحاب الشريعة

حفظ الأمانة الزوجية لدوام استقرار الحياة الأسرية/ محمد مكركب

إن غياب الوعي الفكري المجتمعي في الحياة الأسرية، سبَّبَ كثيرا من الأتعاب والمشاكل بين الأزواج، وكثرت حالات الطلاق والخلع، بل والخيانات الدينية والأخلاقية. وكل ذلك لجهل هؤلاء عظمة الأمانة الزوجية، ونريد أن ندرس معكم في هذا المقال شيئا من الحقوق الزوجية، ومن الأمانة أن تُحْفظ هذه الحقوق، بتفعيل المودة والرحمة والصدق والإخلاص بين الزوجين، والبداية لتعلم الزوجة أن زوجها أمانة ائتمنت عليها، وواجبها المقدس أن تحفظها، وليعلم الزوج أيضا أن الزوجة أمانة عنده ائتمنه الله عليها، وواجبه أن يحفظها، فإذا لم يعدل وضيعها يحاسب عليها. كما أن الزوجين شريكان أمينان، ورفيقان مخلصان، يتحركان بقيم الإيمان، وصاحبان لا يفترقان، بالنزاع والشنآن، وسلاحهما مع بعضهما الصبر والحب والحنان. فليحذر كل منهما من نزغ الشيطان. وأبرز هنا غياب “الوعي الفكري”، فما المقصود به؟

الوعي الفكري: هو ما دعا الله إليه في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. والإنسان لا يتفكر من لا شيء، إنما يتفكر بأسباب التدبير، وأدوات النظر والتعبير. فمن الأسباب: الآيات والأحاديث وتجارب وخبرات العلماء. والأدوات منها: اللغة، ومجالس العلم. فعلى الزوج أن يتفكر ويتدبر في معاني كلمة: زوجة، وصاحبة، وأم الأولاد. والسؤال هنا: هل حفظت أمانة العصمة الزوجية؟ وأمانة الصحبة الوفية، وأمانة أم الأولاد في حب الأولاد، وحنان الأولاد، وهم أكبادنا تمشي على الأرض أمامنا، نخشى عليهم من هبوب الرياح، نحزن من تألمهم إذا مرضوا، ونفرح لفرحهم إذا رضوا، نجوع ليأكلوا ويشبعوا، ونسهر ليناموا ويهنؤوا، ومأوى راحتهم وأمْنِهم أُمُّهُم؟

فإذا كنا نريد لهم العز، فلنحافظ لهم على أمهم ليشعروا بالدفء والاطمئنان. هل فكرت هذا التفكير، أيها الزوج الذي يتسرع لسب أم أولاده، ويؤذيها أمامهم؟ هل فكرت هذا التفكير أيها الزوج الذي ينسى فضل قداسة المودة والرحمة بينه وبين أم أولاده؟ أو حتى الكلمات العهدية، والعبارات واللمحات الودية، أيام الخطبة والأمل، وساعات وأيام شهر العسل؟ ثم بعد هذا كله من أجل خطأ عابر، تتسرع وتهدم بناء زمان يُحْسَبُ بقيمة العمر؟

قد تقول أيها الزوج المتسرع الغاضب، بأن هذه الزوجة ظلمت، وفعلت، وفعلت، يقال لك: نعم، وكل بني آدم خطاء. فادعوها إلى التوبة وأعنها على تصحيح الخطأ، بشيء من الصفح والتسامح، والعفو والتناصح، حينها تَبْيَضُّ القلوب ويتحقق المرغوب، ويتوب التواب على من يتوب. ثم إن الله تعالى بين لنا في القرآن الكريم بأن الزوج يمكن أن يكره من زوجته شيئا، ولكن عليه أن يصبر، ويصابر. قال الله تعالى:﴿ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].

لهذا كان موضوع (حفظ الأمانة الزوجية) قضية هامة في حياة بني الإنسان؛ وعلمت أن الأمانة هي الوفاء والالتزام بالميثاق الذي واثق الله تعالى به عباده في مجال كل الواجبات الدينية، والعلاقات التعاملية في حياة الناس. وعلمتم أن نقيض الأمانة: الخيانة، والغدر، في نقض الميثاق وقطع ما أمر الله به أن يوصل. وعلمتم أن ثلاثة مصطلحات عظيمة تشترك في أسرة لغوية واحدة لأسرار عظيمة أيضا. وهي: (الأمانة، والأمن، والإيمان). فالأمانة وفاء ونقيضها الخيانة. والأمن سكينة، ونقيضه الخوف، والإيمان التصديق ونقيضه الكفر.

وكأن هذه الثلاثة تترافق وتتلازم لا تفترق ولا تتخاصم. أن المؤمنين حتما هم أمناء، ويحيون في أمن. كما قال ربنا عز وجل:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات:10]، فلا يكون المؤمنون أعداء بعضهم. فلا يكون المؤمن عدوا لأخيه المؤمن.

من الأمانة الزوجية أيضا: حفظ استقرار الحياة الأسرية، وحفظ المودة والرحمة. ورد في قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21]. تذكر أيها الزوج: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً[النساء:19]، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر].

ولهذا ورد في السنة الكثير من الوصايا بالنساء، لعظم أمانة العشرة الزوجية.

* من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا عبد الله، ألم أُخْبَرْ أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فَلا تَفْعَل، صم وَأَفطِر، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِن لِجَسَدِك عَلَيْكَ حَقا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا] (البخاري. كتاب النكاح.5199).

ومن الوصايا بالنساء: [واستوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا] (مسلم.كتاب الرضاع.1468.والبخاري:3331).

وما يستفاد من الحديث: أن المرأة جبلت على خصائص فطرية، مليئة بالعاطفة والأحاسيس، ورِقة الشعور، ولطافة النفس، وسرعة التأثر، وذلك من خصائص الأنوثة التي في المرأة. فإذا أراد الرجل أن يعاملها وفق خصائص الذكورة التي فيه، فلن يفلح في ذلك، لأنه يريد أن يغير طبيعةً خلقها الله تعالى لتحيا كما هي بخصائصها الفطرية.

ومن شدة الوصية بالنساء، جعل بابا من أبواب  الخيرية في الإحسان لهن. ففي الحديث: حدث أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخيركم خيركم لنسائهم] (الترمذي. كتاب الرضاع.1162).

ومسؤولية الزوجة نحو زوجها هي الأخرى في غاية الأهمية والشأن العظيم، وعَلِمْتِ أيتها الزوجة العفيفة في بيتها، والشريفة في أسرتها، والتقية الطاهرة، والوفية الصابرة، أنك الجوهر الأساس في تحقيق السكينة والاستئناس، إن شئت -بإذن الله جل جلاله- جعلت البيت روضة أُنْسٍ وحنان، وإن ضاع صبرك كنت لعبة في نزغ الشيطان، فاحذري من ألاعيب الفتان، تفوزين برضوان الرحمان، وكوني كخير النساء. ففي الحديث [خير نِسَاء رَكِبْن الإِبِل صالِح نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاه على زَوج فِي ذَات يدِهِ] (البخاري.كتاب النكاح.5082).

قال مصطفى البغا في شرح الحديث: (صالح) من صلاح الدين، وصلاح المخالطة للزوج وغيره ممن تجوز مخالطته، وذكر اللفظ باعتبار لفظ الخبر المقدم خير. (أحناه) من الحنو وهو الشفقة، والحانية هي التي تقوم على ولدها بعد يتمه ولا تتزوج. (أرعاه) أحفظه وأصونه. (في ذات يده) ماله المضاف إليه، وذلك بالأمانة فيه، والصيانة له، وترك التبذير في الإنفاق فيه.

روى البخاري رحمه الله: حدثنا محمد بن عرعرة، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ](كتاب النكاح.5194)، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام:[لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَة أَن تَصوم وَزَوْجُهَا شاهِدٌ إِلا بِإِذنِهِ، وَلاَ تَأْذَن في بَيْتِه إِلا بِإِذنِهِ، وَمَا أَنْفَقَت مِن نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ].

أيها الزوجان معا، تدبرا هذا الحوار اللطيف الظريف، والانعطاف النفسي الجميل الخفيف، تخيلوا هذا العتاب الأدبي الحكيم من زوج كريم، و انظرا إلى ذلك التجاوب الأخلاقي السليم، من زوجة شريفة فقيهة، وصاحبة حليمة نبيهة. عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى] قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم] قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك] (رواه البخاري كتاب النكاح.5228).

عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي، أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر، ووعظ، فذكر في الحديث قصة، فقال [ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن] (الترمذي. كتاب الرضاع.1163).

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com