المثقف بين الموقفين الفكري والعقدي

أ. عبد القادر قلاتي/
شهدت الشهور الأخيرة -في عالمنا العربي والإسلامي – رحيل ثلة من العلماء والمثقفين، ورجال الفكر، ممن لهم حضور وتأثير في واقعنا الفكري والديني، وكالعادة في تقييم النّاس، راح الكثير من المتابعين للشأن الثقافي، يدلي بدلوه في تقييم هذا هؤلاء -العلماء والمثقفين، ورجال الفكر – انطلاقا من قناعاته وأرائه الشخصية، لكن ليس في تراثهم الفكري والمعرفي، ولكن في مواقفهم العقدية والدينية، وكأن المطلوب منا أن نتدخل في آخر لحظة يعيشها هذا المثقف أو ذاك، لنقيِّم مسار علاقته بالخالق -جل وعلا – ونحن ندرك أن التقييم ليست من حقنا، لأنه وببساطة سيقف أمام محكمة الخالق الذي لا يحتاج لتقييمنا، لأنّ تقييم الله لا يخرج عن منطق الإحسان أو العدل، وقد روى البخاري والنسائي وأحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «لا تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»، وقد بوَّب البخاري هذا الحديث في الصحيح، فقال: (باب ما ينهى من سبِّ الأموات)، وأنا أعرف كلاماً كثيراً في توسيع دائرة التأويل لهذا النّص ولغيره، لكن المعنى الذي هو واضح في نص الحديث أقرب إلى روح الإسلام ومقاصده الكبرى، من تلك التأويلات الواسعة في جواز الكلام على الميت الذي ثبت فسقه أو نفاقه، خصوصًا أنّه أفضى إلى ربه، ومقام التقييم -هاهنا – لم يعد يجدي فتيلاً.
استحضرت هذا المعنى وأنا أتابع تعليقات كثيرة حول وفاة الكاتبة المصرية المثيرة للجدل الدكتور نوال السعداوي، ما بين مكفر ومفسق لها، وما بين مدافع شرس عنها، وعن قناعاتها الفكرية التي في مجملها تخالف أساسيات الأديان وفي مقدمها الإسلام، وهي أراء متهافتة لا يجمع بينها منهج صلب، يعبر عن رؤية فكرية عميقة، صاغتها -أي هذه الكاتبة – في إطار مشروع فكري معلوم الأدوات وبَيِّن المفاهيم والمصطلحات، بل كلّ من قرأ منتوجها الفكري والأدبي، يلاحظ ذلك الخلط المنهجي الواضح، الذي يعبر عن معارك وهمية بين الرجل والمرأة، ليست واضحة عند العقلاء من النّاس إلاّ في عقل نوال السعداوي، التي اختارت مسلكا منافياً ومخالفًا لقيم الأمة ولثقافتها، دون التوقف والرجوع عن هذا المسلك. والله المستعان.