دورية عُلمائية نحو ولايات الشرق الجزائري
أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
في يوم الثلاثاء، في شهر شعبان، شهر الله، الموافق للسادس عشر من شهر مارس ذكرى شهر النصر، حملت دورية عُلمائية مباركة، عصا الترحال، للقيام برحلة تفقد وتجوال نحو ولايات الشرق الجزائري المفضال.
ففي جو مفعم بالغيوم، وفي مناخ عام يطبع الجفاف فيه كل التخوم، انطلق الوفد المؤلف من رئيس الجمعية، ومن الشيخين الفاضلين، الدكتور فاروق الصايم، رئيس لجنة التربية، والشيخ نور الدين رزيق رئيس لجنة الشؤون المالية، ترافق الجميع قطرات الندى لِبَلِّ الصّدى، هذه القطرات التي ما لبثت أن تحولت إلى غيث نافع، وإلى مَجامع في المدارس، والبيوت، والجوامع.
يمم الوفد شطر عين مليلة بولاية أم البواقي فكان التوقف الضروري للغداء، وحسن الأداء في مدينة العلمة.
ومن المقدمات السليمة لنتائج الرحلة، أن مَرَّ بِنَا ونحن في مطعم العَلْمة، رجل من أعيان العلمة الصالحين فسلم علينا، ثم أخفى دفعه لوجبتنا عنا، واختفى معه بعد أن ودعنا، ومعنى ذلك أنه جسد كون مدينة العَلْمة، ترمز إلى العِلم وإلى العَلم، في العلو والإباء، وكرم أهله في الإحسان والسخاء.
ثم واصلنا السير نحو عين مليلة، ليتعزز جانب وفدنا، بعنصر علمائي عامل وفاعل هو الأستاذ حسن خليفة مراقب الشرق الجزائري في المكتب الوطني للجمعية.
لقد كانت الحفاوة، وكرم الضيافة من أبناء عين مليلة، هي العلامات المميزة، لنجاح الرحلة، التي استُهلت بلقاء ممتع مع أعيان المدينة ووجهائها، حيث تم تناول الحديث عن واقع الجمعية، ونشاط أبنائها، في ضوء الواقع الوطني المتسم بالحراك والعراك.
ثم كانت بداية النشاط، غداة ذلك اليوم مع ممثلي شعب الولايات المجاورة، من أبناء الجمعية، باتنة، وخنشلة، وقسنطينة، وسطيف وميلة وغيرها، فقد تميز اللقاء، بمستوى عال من النقاش طبعته الحرية المسؤولة في التشخيص والعلاج، وحسن الاستنتاج حيث انصب النقاش على «أهمية اللقاء الميداني» و«ثقافة التنظيم والانضباط لأبناء الجمعية» و«الوعي بدور الجمعية الإصلاحي» و«كيفية التعامل مع التعقيدات الإعلامية، كما يطرحها الفيسبوك» و«تكديس البصائر لدى بعض الشعب، وعدم توزيعها»، إلى غير ذلك من القضايا الضرورية للنهوض بمنهج الإصلاح الجمعوي، وقد أدلى أعضاء الوفد كل بدلوه، لتصحيح المفاهيم، وتدقيق التعاليم.
وبنفس الحماس، والاستعداد، تحول الوفد إلى مدينة عنابة، بعد عين مليلة مدينة المصلحين والمحسنين، وذوي الملكات الشعرية النبيلة، بريادة شاعر الإصلاح محمد العيد آل خليفة وصفوته الأصيلة.
وفي عنابة لقي الوفد القيادي للجمعية، من الحفاوة وحسن الاستقبال –أيضا- ما تعجز عن أداء حقه الكلمات، فقد جدد الوفد الصلة، بصالحين أصفياء من أمثال الشيخ نجيب النوي، ونور الدين فليغة، وخليل فليغة والسيدة عتيقة ومحمد رياض بلعمري وسمير زريري وحشوف، وعبد المالك حداد الإعلامي المتميز، والمجاهد عبد السلام الشابي هذا البطولي المتألق.
كما لا ننسى مدير المسرح الوطني، ومديرة المكتبة الأستاذة صليحة نواصر، ومدير دار الثقافة الذين طوقونا بإحسانهم.
لقد ترك كل واحد ممن ذكرت، وغيرهم ممن لم أذكر وهم كثر، تركوا بصماتهم في العمل الإصلاحي بمدينة عنابة، في مختلف المجالات.
إن عنابة، التي كان الناس، يعدونها في قائمة التسلية، والسياحة، وشتى أنواع اللهو والمجون، تلك هي عنابة الماضي، أما عنابة اليوم، فهي عنابة مدرسة نادي مجمع الخيرات لنجيب أمكاز، ومدرسة البصائر لعبد الحكيم بونور، ومدرسة العتيق القرآنية لسمير زريري، ومدرسة وادي العلاليق أو مدرسة عمارة جدي القرآنية للشيخ عمار جدي في منطقة الظل ولا ننسى بهذه المناسبة العقار الذي تزيد مساحته على ألف متر مربع ويتكون من ثلاث مبان غير مكتملة وهبها محسن كريم هو الحاج كساب ليكون هبة للتعليم القرآني، وكانت خاتمة المسك مدرسة العتيق القرآنية ذات الطراز الأصيل، والطراز الفني الجميل وكانت من قبل فضاء مهجورا، يأوي إليه المنحرفون.
لقد شرح المشرف عليها الأستاذ سمير المراحل التي قطعتها هذه المدرسة الجميلة والجليلة، التي جهزها أبناء الجمعية بعد البناء بأحدث الوسائل التكنولوجية الرقمية مما جعلها نموذجا يقتدى به في كل شيء.
والجدير بالملاحظة، أن هناك أربع مدارس من هذا الطراز في عنابة سيتم تدشينها في المستقبل القريب إن شاء الله.
إن هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على طيبة المعدن الجزائري في عنابة، وقابليته للنهوض بالوطن تحت لواء الإصلاح، الذي يلتقي تحته الأغنياء المحسنون، والمنفقون الملتزمون.
وهكذا تواصلت في جو الحبور والفرح، رحلة الوفد العلمائي إلى ولاية الطارف حيث احتضننا الدفء الشعبي الإصلاحي في موكب يقوده الأستاذ فوزي رمضاني مع ثلة من أبناء الجمعية مثل يحيى قصاري، ورشيد بناني فيممنا شطر نادي الأسرة والطفل، حيث انتظم لقاء جماهيري متميز، ساده حديث صريح عن دور الجمعية في ظل الواقع الوطني الخاص.
كما طاف الوفد بأقسام النادي، حيث تبين لنا الإبداع التربوي الذي تميزت به مدرسات النادي، وبراعتهن في صناعة الوسائل التربوية التي يتطلبها الأطفال في كل سن.
ولعل خاتمة ما تم انجازه حتى الآن في الطارف، هو المَعْلَم الثقافي ذي الخمس طوابق، وما يزيد على الثلاثين قسما، وقد تبرع به أحد المحسنين، ليكون المعهد الإسلامي لجمعية العلماء بالطارف، وقد انبهر الجميع-أثناء زيارة هذا المعلم- بالنمط الهندسي، وحداثة التجهيز، وموقع المعْلَم، وسعة أقسامه وإضاءتها، مما سيجعل منها قطبا علميا في المستقبل القريب إن شاء الله.
وهكذا وبقلوب يملؤها الفرح، وعقول تعبق بالنشوة والمرح، قفل الوفد عائدا إلى الديار، عبر ولاية قالمة، حيث استوقفتنا بلدية دهوارة لتدشين مدرستها القرآنية الأصيلة الفضيل الورثلاني حيث انتظم لقاء شعبي، علمي بالمدرسة، تعاقب على الحديث فيه، إضافة إلى أعضاء الوفد كل من نائب رئيس الشعبة، والشيخ فؤاد معيزي والشيخ نور الدين بودبوز من شعبة قالمة الولائية وانضم إلينا من بعد الشيخ محمد بوخروبة متعه الله بالصحة وكان لهذا اللقاء –أيضا- أثره البليغ في نفوس الجميع.
وخاتمة الرحلة، تجلت في شعبة مدينة العلمة العلمائية، حيث انتظم على مائدة غداء شهية، لقاء علمي متميز بين الوفد القيادي وشيوخ الجمعية، وشيختها..
فقد كان لقاء مفعما بالفخر والاعتزاز بالانتماء للجمعية، تمكن فيه أبناء وبنات الجمعية من طرح كل انشغالاتهم، التي لقيت كل التجاوب من طرف الوفد القيادي.
فحيا الله جمعية العلماء المسلمين التي ستظل إن شاء الله بفضل إيمان أبنائها وبناتها تشع على الوطن وعلى الأمة بكل أشعة النور نور العلم، وضياء الدين ومصباح الوطنية.