متى نشرع في البناء ؟ وحتى متى يستمر هذا الصراع العقيم؟

أ. لخضر لقدي/
يستمر الصراع في بلادي، وتتعدد أساليبه ووسائله وأهدافه، وأشد ما يؤلم فيه أن يجد أهل الباطل أعوانا ينتمون في الظاهر إلى أهل الخير وحقيقتهم أنهم أعوان باطل وأحلاس فتن، هم أصحاب ألسُنِ فصيحة وأقوال بليغة، يُلبسون الكذب لباس الدبلوماسية، ويستخدمون أساليبهم الساحرة وبيانهم الخلاَّب، ويخلطون الباطل بالحق، ويلبسون المفسدين ثوب المصلحين، يخالفون الناس، ويعكسون القياس، ويذمون الحسن ويمدحون القبيح، ولم أجد لهم وصفا إلا انهم قطاع طرق، ومغتالو أحلام والخوف أن تكون نتيجة الصراع وقوع الناس في شباك الباطل، فيُفتنوا ببريقه ولمعانه، ويظن المبطل أنه محق، ويعتقد المخطئ أنه مصيب، ويرى الضال نفسه مهتد، ويقع التلبيس على العامة، وما يزال في عمر الباطل بقية مادام هؤلاء بيننا، فيبتعد النصر وتمتد مسافة الوصول إليه، وهذا هو أشد أنواع الخذلان، وأفدح الخسران.
يقول ابن الرومي: فِي زُخْرُفِ الْقَوْلِ تَزْيِينٌ لِبَاطِلِهِ وَالْحَقُّ قَدْ يَعْتَرِيهِ سُوءُ تَعْبِيرِ تَقُولُ: هَذَا مُجَاجُ النَّحْلِ تَمْدَحُهُ وَإِنْ ذَمَمْتَ تَقُلْ: قَيْءُ الزَّنَابِيرِ مَدْحًا وَذَمًّا وَمَا جَاوَزْتَ وَصْفَهُمَا حُسْنُ الْبَيَانِ يُرِي الظَّلْمَاءَ كَالنُّورِ.
وأمنياتنا كثيرة، وآمالنا عريضة، ووطننا جميل، غير أن واقعه مرير، ومستقبله تتقاذفه الأمواج وتجري به الرياح.
نعرف أننا لا نحصل على كل ما نريد ونتمنى، ولأن لكل شيء حدود وقيود.
وغاية المنى أن نرى أبناء البلد يلتقون على كلمة سواء، يقدم الكل التنازلات، وتخاطب فينا الأفكار، وتحترم عقولنا وهويتنا ولغتنا وديننا، وتحفظ مصالح بلادنا،وننتقل من التناحر إلى التوافق، ومن التفرق إلى الوحدة، ومن التشتت إلى الاجتماع.
ونعبر جميعا بالوطن إلى بر الأمن والأمان.
وإذا كان التمني قد يكون مع الكسل وقلة الحيلة، فإن الرجاء جد واجتهاد وحسن توكل.
ورجائي من جميع أبناء وطني أن يكونوا في تَوَادِّهِمْ وَتَحَابِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَل الْجَسَدِ الواحد،يبنون ولا يهدمون، ويحسنون ولا يسيؤون.
فيا أبناء الجزائر جميعا دون استثناء هذا وطنكم فلا تضيّعوه، فكّرو بعقولكم لا بعواطفكم وبمصلحة أمتكم لا بمصالحكم الضيقة.
فالعالم من حولكم لا يهمه من شأنكم إلا مصالحه.
ودعائي أن يحفظ الله الجزائر من كل سوء، وأن يجْعَل أَمْرَهَا عِنْدَ خِيَارِهَا، وأن يؤَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَيصْلِح ذَاتَ بَيْنِنَا، وان لا يحقق لعدو وحاقد وظالم غاية، وأن لا يرفع له راية، وأن يجعله للناس آية.