الورقة الممزقة من سجل الخيانات؟/ بقلم: جمال نصرالله

لا زال وعد بلفور في المتخيل الجمعي العربي بمثابة الصعقة الكهربائية التي أنزلت وجدان أفراده أرضا، وهشّمت ذواكرهم السياسية والثقافية الاجتماعية، بل جعلت منهم فرائس وطرائد قابلة للتحوير، والمماطلة، أو على الأقل فئرانا بيضاء لتجارب سياسات الهروب للوراء. وما فلسفة تقرير المصير والمفاوضات والمصالحة والتنازل الجزئي والنسبي إلا دلائل قطعية على ذلك، حيث تحولت القضية الفلسطينية إلى شماعة لأجل جر العرب والأعراب نحو طاولات خرساء لا قيمة لها سوى أمام أضواء الكاميرات؛ ليس فقط من كامب ديفيد وصولا إلى أوسلوا كمحطات تاريخية، بل من طنجة إلى جاكرتا كأقاليم جغرافية قومية، تنطق تربتها بالعروبة والإسلام، وفي المقابل ظل هذا الحدث التاريخي من يوم الـ02 نوفمبر1917م بمثابة عيد النصر للصهيونية وأزلامها، ويُجمع المؤرخون بأنه لولا هذا الوعد لما كانت إسرائيل! أو صمدت إلى يومنا هذا كابنة مدللة للغرب، وخاصة بريطانيا وأمريكا اللتان ترعاها وتحرصان عليها من كل سوء؛ وقد أصبح هذا الوعد الذي تنعته الأقلام العربية بالمشؤوم بمثابة وثيقة رسمية معتمدة لدى عصبة الأمم وركيزة يرتكز عليها طواطم المصالح والاستعماريين القدماء الجدد ممن يضعون أقدامهم داخل كل شبر من بقاع العالم، فبعد أن كان الفلسطينيون يشكلون نسبة 92 بالمائة من تعداد السكان عام 1918م مباشرة وبعد زيارة بلفور للقدس بدأ هذا الرقم يتقلص إلى غاية أن تحول إلى رقم عكسي بالفعل، وجنى العرب على أنفسهم هذا المصير بسبب تخاذل ملوك الجوار ونقصد أمراء الحجاز والأردن وسوريا الذين لم تكن سذاجتهم أقوى من خبث ومكر، حتى لا نقول السياسات المحكمة للبريطانيين، الذين طوقوا المنطقة سياسيا ودبلوماسيا، ضامنين مكانا آمنا للوافدين الجدد من أبناء يهود.
كل هذا وبالمختصر المفيد تلخصه مجرد أسطر عن حال البكائيات التي ما فتئت الأفئدة العربية تحاكيها أبا عن جد لأبنائهم وأحفادهم شاعرين في كل مرة بأن التاريخ هزمهم، والخيانة والغدر صارتا كينبوع ماء زلال يتدفق ليل نهار، تحت وطأة اليد الحديدية التي لا تبتغي لهم رحمة أو شعورا بالإعياء، هي فقط وفي كل الأحوال فلسفة (القوي هو من يكتب التاريخ ويطيل في عمره)، بل الأكثر من ذلك يزرعه ويوزعه كالسحابات الفوقية مثل الأقمار الصناعية يرصد به الجزئي والكلي للرعايا والشعوب، ورغم كل الذي حدث ستبقى المعضلة الفلسطينية أم القضايا التي تشغل بال التعابير بمختلف فروعها وألوانها وفنونها تواجه المسدس الإسرائيلي، وهو ساهر كحارس ليلي لا يمل ولا يكل؛ بل بدون أمان أو قفل يُجهض الصرخات ويبدد الحجارة. وبموجب ذلك تبقى فلسطين هي القضية الأم شاءت سجلات التاريخ أم أبت؟ ففي اليوم الذي تنقرض مشاعر الخيانة من أوطاننا ويصبح لكل فرد عربي قلبا مجاهدا – حتى ولو كان اصطناعيا ساعتها- نستطيع تصحيح التاريخ المُحرف.