من الأنشطة…إلى البرامج ميادين العمل الكبرى في الجمعية…وكيف نتصوّرها / حسن خليفة

من الجميل أن تكون الحركية (علمية ودعوية واجتماعية) في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بهذا الشكل المستديم، النابض، المنتشر.. ومن يقرأ ويتابع أخبار الشعب يمكن له أن يكوِّن تلك الفكرة المشرقة عن عمل لا ينتهي، متنوع، ممتد، يمسّ كلّ الفئات ويستهدف شرائح واسعات من المجتمع المحلي (ولايات وبلديات وجهات)، فيه ما هو “مناسباتي” (أول نوفمبرـ المولد النبوي الشريف ـ العطل ـ وباقي المناسبات الدينية والوطنية)، ولكن الأمثل والأروع من ذلك أن يتحول ذلك النشاط إلى برامج محددة الأهداف واضحة الغايات، وهذا ما أشارت إليه الكثير من وثائق الجمعية، عبر لجانها المختلفة، وبالأخص اللجان ذات الصلة بالنشاط والعمل المستمر كلجنة التربية، ولجنة الإرشاد والإفتاء ولجنة الإعلام والثقافة، ولجنة الإدارة والتنظيم ولجنة المالية… الخ.
إنَّ الأمر يستوجب ـبعد هذا الحراك الطيب ـ الانتقال إلى أفق أفضل وأوسع في مجال العمل الديني التربوي الدعوي، بإدراج “البرامج” وضبط الأهداف وفق خطط متنوعة متعددة الأساليب ولكنها تصبّ في نهر واحد وهو نهر التهذيب والرقيّ والسموّ الفكري والأخلاقي والعلمي.
لستُ في حاجة إلى التدليل على أهمية ذلك، ولكن يمكن أن نشير، على عجل إلى أهمية إدراج مسألة التخطيط في العمل الديني الثقافي/الدعوي، والاستئناس بالبرامج لتحقيق النسبة الأعلى في المردود العلمي والديني والدعوي المطلوب.
وخير مثال لذلك مما تحقق فيه التخطيط والعمل الذي هو أقرب إلى البرامج هو التعليم القرآني، تعليما وتحفيظا وتدبّرا؛ حيث نرى بصفة عامة ملامح نجاح ممتازة، وذلك من فضل الله تعالى علينا، تكاثرت به أعداد الحفظة والحافظات وتقاطر أبناء وبنات المجتمع إقبالا على القرآن وعلومه وما يتصل به. وإن كان الأمر في ذاته يحتاج إلى اجتهاد أكبر فإنه مبشّر بخير عميم إن شاء الله.
وأما في أهمية التخطيط والبرامج فأتصور أن إدراج ذلك يحقق الأفضل، من مثل:
ـ يحقق التخطيط (البرمجة) المزيد من التنسيق والتناغم في الأعمال، ومثال ذلك في الملتقيات والندوات، فلا تتكرر موضوعاتها ولا تُستهلك الموارد والطاقات والجهود في شيء مكرور مجتر، بل تنتقل من حسن إلى ما هو أحسن منه، وهو ما يمكن تحقيقه في ملتقيات الجمعية القادمة بحول الله.
ـ يفيد التخطيط والبرمجة في اختيار المواقيت المناسبة لكلّ عمل، فيكون هناك نوع من التباعد الزمني بين عمل وآخر، كما يفيد في توزيع الأعمال ـأيا كان نوعها ـ على المناطق المختلفة: شرقا وغربا، شمالا وجنوبا..فلا تستأثر منطقة دون غيرها بالملتقيات والندوات والأعمال الدعوية الكبيرة.
ـ يفيد ذلك أيضا في الانخراط بشكل أعمق، في التنسيق بين العاملين في مختلف الجهات، وقد يقتضي الأمر القيام بعمل واحد في منطقة واحدة (ملتقى الأوراس مثالا) فتتعاضد الإرادات وتتداعى الشعب المتعددة لإنجاز عمل واحد جيد وكبير وقوي، فيستفيد الجميع، ويتحقق تجسيد شعيرة التعاون كأبهى ما يكون التجسيد، فالغاية ـهناـ أكبر وهي ما يشد ّ العاملين في الميدان؛ حيث يستفيد المجتمع بقطع النّظر عن من قام بالعمل.
ـ يسمح التخطيط والبرمجة بتقييم الأداء وتلمّس التطور والتحسّن الذي تحقق بعد كل فترة، ذلك لأن الأهداف ستكون حاضرة عند كلّ برنامج وعمل، ومن خلال ذلك يمكن تقييم العمل ومعرفة مواطن القوة والجودة والاقتدار والتميز فيه، وأيضا معرفة مواطن التعثّر والضعف، لتجاوزها في الأعمال التالية، في أي جهة كانت.
ـ كما أن التخطيط والبرمجة أيضا يسمحان بشكل واضح على بديمومة واستمرار الجهود الدعوية، وثباتها في الميدان، بجعلها محطات دائمة ثابتة الجذور، كما هو الشأن في عديد الأعمال التي تقوم بها الجمعية الآن، ولكنها في حاجة إلى مزيد من الترسيخ والتعزيز، لكنها ـبحمد الله تعالى ـ هي أقرب إلى المكاسب الإيجابية: (ملتقى دولي أو ملتقيان على الأكثر ـأربعة إلى خمسة ملتقيات وطنية ـ لقاءات تنسيقية جهوية علمية وتنظيمية نصف سنوية ـندوات تكوينية دائمة في كل الشعب ـ حضور نوعي في كل المنعطفات بمواقف مشرّفة ـ حضور إعلامي نوعي (على قلة ذات اليد)…الخ
وأما بالنسبة للأمور الكبيرة فيمكن الإشارة إلى المطلوب والمرغوب، بدعم من كل الأفاضل، وبعون من الله تعالى، والتي يُطمح أن تكون أهدافا قريبة للجمعية في المدى المنظور:
أـ تعزيز ملمح الإرشاد والدعوة والإفتاء بما يجعل الجمعية مرجعية وطنية جديرة بالاحترام والتقدير، بيّنة النفع والفضل.
ب ـ تعزيز “كتلة العلماء” في جسم الجميعة، لتكون بحق “جمعية علماء” في جميع التخصصات، وذلك باستقطاب مزيد من أهل العلم، في الاختصاصات المتنوعة (علم الاجتماع، علم النفس، التربية، الآداب، الإعلام وفنونه، الطب، القانون والعلوم الإدارية، الصيدلة، الهندسة…، وسواها من الاختصاصات العلمية والإنسانية ليكون ميسمُ “العلماء” شارة وضيئة في جهاز الجمعية العلمائي ودالّا على حقيقتها وطبيعتها يُضاف إلى باقي خصائصها ومميزاتها.
ج ـ تعزيز فضاء الإعلام والاتصال ليكون صوت الجمعية مسموعا يبلغ إلى الجميع، بأكثر من لغة، في ضوء هذا العصر الذي جعل العالم “قرية صغيرة”. ويحتاج ذلك إلى الكفاءات وإلى الأموال والطاقات المتعددة ، والتصوّرات المبتكرة.
دـ تقوية جهاز المناعة الأول وهو التربية والتعليم، وذلك بأن ترتقي أعمال التربية في الجمعية إلى مستوى “قوة الاقتراح” بإنشاء ما يلزم من المحاضن التربوية، في مختلف المستويات (من التحضيري إلى الكليات والمعاهد). وما ذلك على الله بعزيز، إن أُحسن التدبير وتداعت الإرادات وتلاحمت.
هـ وغير هذا كثير من الميادين والحقول التي يمكن أن تتحول إلى برامج محددة الغايات والأهداف موقتة بأوقات معيّنة للإنجاز والتحقيق، في تكامل وتناغم يحقق المراد الأكبر، وهو أن تكون الجمعية مظلة لكل الجزائريين والجزائريات في شكل جمعية مضيئة مشعة بالخير والعلم والفضل والصلاح والإصلاح. دعوة إلى كل أهل الخير للتعاضد في هذه الشأن العظيم الجليل…