في رحاب الشريعة

التكافل المجتمعي أعظم أساس في بناء الدولة القوية

الشيخ محمد مكركب أبران/

إن الأسس الكبرى لبناء الدولة نجملها فيما يلي:
الأساس الأول: الحاكم الذي اكتملت فيه الأوصاف العلمية والشرعية والبدنية والأخلاقية، والحاكم الكفء أساس عملي كبير، إنه القائد والإمام الذي يقود الأمة، بعلم وحكمة وشجاعة وتضحية.
الأساس الثاني: الدين، دولة بلا دين مآلها الفساد والانهيار والهلاك.
الأساس الثالث: جمع العلماء الفقهاء المجتهدين وتسليمهم زمام التخطيط والفتوى والقضاء، والأساس.
الأساس الرابع: المنظومة التربوية التعليمية التي تضمن الاكتفاء الذاتي في البحوث العلمية ووسائل المدنية المعاصرة. الأساس الخامس: الجيش المؤمن المتحد المتمسك بالقيم الإيمانية، والقيم الوطنية، بقيادة وطنية مؤمنة.
والتكافل الاجتماعي هو التعاون الحقيقي بين كل هذه الأسس. هذا التكافل قوامه: الإخلاص، والتخطيط ومنه البرمجة والتنسيق، والتطوع، والتضحية بالوقت والمال في سبيل الله تعالى.
أولا: ما معنى التكافل لغة؟ يقال تكافل القوم كفل بعضهم ببعضهم الآخر، أي ضمن بعضهم حاجات بعضهم، فالتكافل معناه: التضامن، والتناصر، والتعاون على البر والتقوى، وفق ميثاق اجتماعي من مقتضى السنن الكونية في الخلق. يقال: تكافل الأَخَوَانُ: كَفِلَ، وضَمِنَ أحدهما الآخر. ففي المجتمع المتكافل، يشعر كل فرد بأنه مسؤول عن الجميع، ويعتبر أن كل الأنداد إخوانه وأخواته، وكل الكبار آباءه وأمهاته، وكل الصغار أبناءه وبناته. إذا كان عندهم رغيف يقتسمونه بينهم، أو حبة تمر، أو كوب لبن، ويكفيهم بإذن الله تعالى. ففي الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ](البخاري.2486).
هذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم، تحت رقم 2500. ومعنى: (أرملوا) من الإرمال وهو فناء الزاد وقلة الطعام، وأصله اللغوي: من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلة والفاقة والحاجة. (في إناء واحد) أي اقتسموه بمكيال واحد حتى لا يتميز بعضهم عن بعض، وهذه قيمة شرعية عظيمة، وميزة أدبية إنسانية تعبر عن قِمَّةِ العدل والقسط في التكافل. (بالسوية) معناه متساوين. (فهم مني وأنا منهم) طريقتي وطريقتهم واحدة في التعاون على البر والتقوى، وفي طاعة الله عز وجل ولذلك لا أتخلى عنهم. وهذا مدح للأشعريين، وتنويه بمناقبهم الطيبة، وفيه دليل قوي على تزكية مبدأ أو أساس التكافل بين المؤمنين.
ثانيا: ومن التكافل الشرعي في الدين: الزكاة. ولابد من الإشارة، بل لابد من التذكير والتنبيه إلى أن المسلمين لو قاموا بهذه الفريضة العظيمة لأقاموا قوة اقتصادية كبيرة تمكنهم من تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصاديا، فالزكاة من جملة شروط المحافظة على التمكين، أي المحافظ على قوة الدولة وسيادتها. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[الحج:41].. وقد ذكرت إخواننا المسؤولين بأنه لو حرصنا تمام الحرص على تنظيم الزكاة لأغنتنا عن الضرائب والمكوس، وحينها تنزل البركات، بإذن الله تبارك وتعالى. تعالوا لنضع ثلاثة مَلَفَّاتٍ اجتماعيةً على طاولة الدراسة والبحث، ثم ليطرح السؤال: أين دور التكافل الاجتماعي، وأين فريضة التعاون الذي أمر الله سبحانه به؟ أين؟ ثم أين؟
المَلف الأول أزمة السكن وما أحدثته من المحن: كظاهرة صارخة في المجتمع، وتؤرق المواطنين البسطاء، والشباب المغلوبين على أمرهم، فقد كانت أزمة السكن سببا مباشرا وغير مباشر لكثير من الفتن العائلية والمجتمعية، فكان لابد من أن تطرح على ضمير المجتمع، ولابد أن يُضْغَطَ على زِرِّ جرس التحذير، الذي يدق في غرفة القيادة والتسيير، ليتحرك بإذن الله تعالى التكافل المجتمعي بعزيمة الأحرار ورجولة الأبرار، وبالتوكل على الله الواحد القهار، وليتم الخروج من أزمة السكن المفتعلة نهائيا. من أغرب ما يسجل في هذا العصر للأجيال القادمة بعد قرون، وفي الجزائر بالخصوص، عندما تقرأ الأجيال عنا، في بحوث علماء عِلْمِ الاجتماع وعلم النفس، والأخلاق، وأسباب الأمراض النفسية، والانحرافات الجنسية، من أغرب ما يقرأون عنا في المستقبل: ظاهرة أزمة السكن التي كانت السبب الأكبر في الفتن والانحرافات منها: الطلاق، العنوسة، زنا المحارم، ضعف المستوى الدراسي، المخدرات، ضعف الإنتاج، الهجرة اللاشرعية نحو البلدان غير الإسلامية، الأزمة الاقتصادية، العداوة، قلة الأمن، الاختطاف، مرض الوسواس القهري، المرض السكري، وما زاد الطين بلة وعلة، سوء تخطيط الأحياء والمدن الجديدة، بشكل مستغرب تماما!!. فالدعوة إلى كل المهندسين المؤمنين، الذين يشعرون بهموم الفقراء، ليزيدوا من بذل الجهد في حسن تقنيات الهندسة المدنية العمرانية في بناء المدن، وهجران العشوائية، وعدم الموافقة على التوسيعات السكنية الترقيعية، وأين وصلت بوقزول وأخواتها؟؟؟ ومتى العاصمة الموعودة في الوسط الجغرافي الجزائري؟، لتكون العاصمة العاصمة حقا؟. وإلى رجال الأعمال الذين رزقهم الله علما وقدرة ومالا، زادهم الله خيرا، وإلى كل المسؤولين في الوطن، للشروع في الحل العلمي النهائي الذي يتم به، بفضل الله تعالى الاكتفاء في المسكن والسكن، وتزول تلك المحن والإحن، ويومئذ يفرح المساكين، والبسطاء، وتزول عدة أمراض بزوال الضيق والتضييق.
المَلف الثاني: المرافق والوسائل الكافية للتربية والتعليم: نعم المرافق والوسائل الكافية بالتمام، والْمُناسِبة حضاريا ومدنيا ومعاصرة للتربية والتعليم، عبر كل مناطق الوطن. فالتربية والتعليم من بين أكبر الأمانات التي يتحمل مسؤوليتها الجميع. ولا في مَلف السكن والمدن الذي سبق الحديث عنه، ولا في هذا الْمَلف، وكل الضروريات، لايوجد نقص أو عجز في المال وكل الإمكانات اللازمة، وإنما النقص والتقصير والعجز في طرائق التسيير والمعالجة والإنجاز، لهذا السبب كان لابد من التعاون التكافلي لينهض الجميع، وفي ميدان الإعداد لمرافق التربية والتعليم، وفي هذا المقال لسنا بصدد التخطيط والبرمجة للقيام بكل ما يجب، وإنما بصدد الدعوة للجميع، من أن نقول: إن التأخر عن تحرك العمل التكافلي الجاد، للقيام بكل هذه الضروريات، سيكون العقبة الكؤود، والمحدث لأزمات متلاحقة مستقبلا. والله تعالى هو علام الغيوب.
المَلف الثالث: مَرَافِق الاستشفاء وصناعة الدواء: الملف الصحي هو الآخر من الأمانات التي يجب أداؤها بتمامها على الوجه الأكمل والأشمل، ثم والأنبل، وذلك ليعمل الأطباء والطبيبات والممرضون والممرضات في راحة وظروف سليمة منسابة للصحة والضمير الطبي، وليجد كل المرضى العلاج الكافي والشافي في وطنهم بإذن الشافي سبحانه، وإن شاء الله تعالى فإن الشعب الجزائري بإمكانه وبالتعاون التكافلي أن يبني المستشفيات النموذجية التي بينا صورتها ومرافقها في كتابنا، فقه الواجبات الطبعة الثانية: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com