الإنســـــان ليــــس مَلَكًـــا معصومــا ولــن يكـــون شَيْطَانًا مريـــدا
أ. لخضر لقدي/
المجتمع المسلم مجتمع بشري، ليس مجتمع ملائكة، ولا مجتمع شياطين، فيه الأبرار والفجار، والصالحون والطالحون، وبالتعبير القرآني منهم: التقي الصالح السابق بالخيرات، والفاسق الفاجر الظالم لنفسه، والضعيف المتردد المقتصد بين الصنفين السالفين.
والفكرة السائدة عن السلف الصالح أنهم كانوا مثاليي السلوك، هي فكرة ينبغي الوقوف عندها طويلا.
نعم كان الصلاح يغلب على عموم المجتمع، ولكنهم بشر تتنازعهم الدوافع، وتؤثر فيهم المغريات، يوجد فيهم الكره والبغض والتنافس والصراع، ونجد منهم المحب العفيف وصاحب الغزل العذري، والماجن في شعره المنحرف في سلوكه.
ومن درس المجتمع زمن النبوة علم أن الناس كان الغالب عليهم الصلاح، ولكن وجد فيهم من يزني ومن يشرب الخمر، ومن يخون، وعليهم أنزلت الحدود وطبقت: وقصة ماعز والغامدية مروية في الصحاح، وكان عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يشرب الخمر، وهو محب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ…ويأتي شاب للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ائْذَنْ لِي فِي الزِّنَا.
وقصة حَاطِب بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ تمثل خيانة عظمى، ولكن رسول الله قال فيه وفي أمثاله: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
إن من الواجب مراعاة ظروف الناس: من الجهل بالأحكام، وضغط ثقافة الانحراف، وضعف مؤسسات الدعوة، وغياب المناهج التربوية القائمة على إصلاح النفوس والقلوب، وفقدان الدعوة إلى العلاج السلوكي والنفسي.
ومجتمعاتنا الحالية كثر فيها الجهل، وغاب عنها العلم، واغتربت فيها الفضائل، وكثرت فيها الذنوب، واحتل فيها العصاة مقامات وجمعوا الأموال وتقلدوا المناصب وصارت الدعوات إلى الطاعات دعوات قليلة.
وفي ظل غياب العلم والتربية يسقط الناس في الذنب عن غير عمد تارة، وعن سوء فهم تارة، وعن هوى نفس تارة، وعن سوء توجيه تارة، وعن غفلة تارة أخرى.
ومنهم ولاشك من يختار الذنب ويتمرغ فيه.
ولم يتحرج علماؤنا من ذكر القصص التي تعكس حقيقة المجتمع، لأن معرفة الداء نصف الدواء ومن أخفى داءه صعب شفاؤه، وتأكيدا لهذا المعنى ذكر الجاحظ – إمام العلم والأدب الذي مات وسط الكتب- في كتابه الحيوان بعنوان:عفّة عمر بن أبي ربيعة أنه لم يحلّ إزاره على حرام قطّ، وأنه كثيراً ما تعرض للزوجات الحاجات في الطواف وألقى بهن شعرا، ومنهن ليلى بنت الحارث البكرية، ورملة بنت عبد الله الخزاعية، وفاطمة بنت محمد بن الأشعث الكندية، ولم تسلم من غزله زوجة شيخ النحو أبي الأسود الدؤلي.
وكتب ابن حزم طوق الحمامة مبينا ماهية الحب وعلاماته، وختم كتابه بكلام جميل عن قبح المعصية وفضل التعفف، وكتب ابن القيم روضة المحبين ونزهة المشتاقين ختمه بكلام بديع في ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى.
وكان المتنبي يتذمر من لوم الجاهل المستغرق في جهله، وكذلك مِن مخاطبة مَن لا يفهم، فقال:
ومن البليّةِ عذلُ من لا يرعَوي
عن جهله وخطاب من لا يفهمُ
وما أحكم قوله:
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً
وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
وما أجمل قول البحتري:
عَليّ نَحْتُ القَوَافي مِنْ مَقَاطِعِها
وَمَا عَليّ لَهُم أنْ تَفهَمَ البَقَرُ
إن التسرع في الحكم على الناس دون مراعاة ظروفهم أو تخيل ما قد يكون عليه مستقبلهم يجعل حكمنا قاسيا وتوجيهنا نابيا.
ولحكمة ما قال ربنا سبحانه وتعالى للصحابة: {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ}.
وحبذا لو عمل أهل التربية بمبدأ أن الإنسان خطاء، وأن من الحكمة تعليمه أن خير الخطائين التوابون..