شعاع

سؤال التنمــــــــــية المتعثرة …من المسؤول ؟/مناطق الظلّ…ووجوب تقدم الإصلاح فيها

يكتبه: حسن خليفة/

لا يحتاج الحديث عن التنمية الغائبة، أوالمعطلة، في مختلف جهاتنا وأقاليمنا الوسيعة _ شرقا وغربا وجنوبا ووسطا_ …لا يحتاج إلى التلميح والمواربة والمرواغة، كما يفعل إعلامنا المعتل الذي يزوق ويبالغ في التزويق، ويروّج للرداءة، ويهتم بما لا ينبغي الاهتمام به ويظهر ذلك جليا في برامجه وشبكاته وما يطرحه من أفانين الترفيه التي لا تخلو من الخلاعة وسوء الذوق وقلة الأدب، بل لعلها توغل في «ترسيخ» الغفلة في الناس بشكل أو بآخر..
نعم لا يحتاج إلى المواربة والسكوت، بل يحتاج إلى الصراحة وربما القسوة، لما يلاحظ من سوء تدبير، وضعف إنجاز وسوء أداء..وهناك أمثلة صارخة وقفتُ عليها شخصيا، أثناء جولاتنا في الجمعية في عديد مناطق الوطن من سوق أهراس إلى الطارف، فعنابة، فأم البواقي، فبسكرة فأولاد جلال، فباتنة، فميلة، فسكيكدة …
في كل هذه المناطق ترى «مناطق الظل» وهي تمثل بحجم كبير ومخز التخلّف والتأخر، ليس في المجال المعيشي فحسبُ، بل في المجال القيمي والأخلاقي فانتشار الانحراف بأنواعه صار أمرا عاديا، وانتشار المخدرات في الشوارع والمؤسسات بما فيها المؤسسات التربوية (الابتدائية) أضحى أيضا شيئا عاديا وهذا ما تترجمه الصحف الوطنية؛ حيث تخصص ملفات كبرى لمثل هذه الأمور كالعدد الأسبوعي من الخبر، أو التغطيات والمتابعات لمختلف الجرائد يوميا تقريبا.
أرغب في الحديث الواسع الجاد الصادق ـ ولو كان جارحا ـ عن كل ذلك، لأن منطلقه ـ يعلم الله ـ حب الوطن والغيرة عليه، والاجتهاد في التصويب والتصحيح، والتنبيه، والتوجيه ..وأتصوّر أن ذلك جزء من واجب كل مثقف ومهتم، فضلا عن الداعية والأستاذ والعالم والخبير والمسؤول، فهؤلاء مسؤوليتهم أكبر عند الله.
*****
سأقتصر على الكلام في هذه السطور عن منطقة معروفة وهي منطقة «التلاغمة» (من ولاية ميلة)، واعتبر ذلك نموذجا من النماذج الدّالة على خيبتنا في مجال التنمية، وقد رأينا قبل التلاغمة خيرات وخيرات في منطقة بسكرة وأولاد جلال ولغروس والدوسن وغيرها ووقفنا على حجم الامكانات الهائلة والثروات الطائلة والقدرات الكبيرة، والخيرات التي وهبها الله تعالى لبلدنا فوق الأرض وتحت الأرض، ولكن اللامبالاة وسوء التدبير، والبطء في المرافقة، وثقل القوانين، وكثرة التدخلات، وعدم إعطاء العاملين الجادّين ما يحتاجونه من مرافقة، ودعم، وفتح الأبواب جعل الأمور تجري في غير المجرى المطلوب، وخاصة فيما يتصل بالتصدير، وتوزيع الإنتاج توزيعا منظما سلسا. ولعليّ أعود إلى الموضوع بشكل أكثر تفصيلا مع شهادات المعنيين في لاحق الأيام في تحقيق لصحيفة البصائر الغراء. وهذا النوع من الأنواع الصحفية نفقتده كثيرا في صحافة الجمعية. وإنما أتحدث هنا في السطور التالية عن موطن آخر للخيرات. وأعني بها منطقة التلاغمة؛ فهي مثال صارخ لذلك التأخر.
لم أزرها منذ سنوات… وتيسرت زيارتها اليوم (الخميس الماضي 11 مارس 2021، في مناسبة اجتماعية خاصة، فوجدتها كما هي، أي كما تركتها، بل لعلها تراجعت بعض الشيء.
إقليم حباه المولى تبارك وتعالى بخيرات من مياه وتربة ومناخ، ما يسمح أن يكون قطبا فلاحيا متميزا، وهي المشهورة بالثوم (الذي نستورده من الصين بكل أسف) كما تنتج أيضا بكميات وفيرة الجزر، وأنواعا أخرى من الخضروات….
واشتهرت كذلك بمياهها المعدنية وحماماتها الكثيرة المتنوعة…ما يجعلها مقصدا سياحيا-صحيا كبيرا، بل قطبا سياحيا وطنيا جاذبا ومحترما، لكن «التدبير» المتخلف، والتسيير المتعثر المعوج، جعل هذه الثروات الحيوية دون وزن، ودون وظيفة اقتصادية وتجارية حقيقية ومحترمة، فالطرق المهترئة هي هي منذ سنوات، والمدينة هي هي منذ سنوات أيضا…
تُرى كيف يفكر المسؤولون عندنا…؟ وما هي تفاصيل خرائط التنمية وبرامجها في أمخاخهم؟
وكيف نُفسّر هذا التعطل في إطلاق التنمية المستدامة الحقيقية الملموسة والتي تبدأ من البنية التحتية الأساسية المعروفة المفردات والشروط؟
أين ذهبت الأغلفة المالية المرصودة من الدولة؟ أين الانجازات من طرق ومسالك؟ وأين قنوات المياه وقنوات الصرف؟
وأين المشاريع الخدمية اللائقة لتسهيل واستقطاب الزوار وتوفير الراحة لهم؟
يلاحظ الزائر للمدينة والمنطقة مشاهد تدلّ جميعها على التأخر في التنمية والإقلاع التنموي، ويلاحظ المدقق ـ أكثر من ذلك ـ ويسمع من الناس ضجرهم وجؤار الشكوى البليغ عندهم، من الأحوال غير الطيبة، لكثير من الشرائح الاجتماعية خاصة الشباب، والشكوى عن استدامة واستطالة غيوم التخلف هي ما يردده أكثر الجزائريين، وقد وجد المسؤولون «جبالا» من المشكلات في آلاف (وليس مئات المناطق) التي سمّوها مناطق الظل وخُصّص لذلك ما خُصص من البرامج والأموال ولكن الحال على حالها…والوضع على ماهو عليه ..لأن الإقلاع التنموي إما أن يكون إقلاعا قيميا حضاريا صادقا، أو لا يكون. وسيبقى السؤال: إلى متى…نسيّر البلد بالوعود والبرامج الوهمية؟ إلى متى ونحـن بنفس الخطاب ونفس الأشخاص ونفس «الديسكور» ونفس المنهج المراوغ؟ إلى متى ..؟.
إن التلاغمة أيها السادة مجرد مثال بسيط يحقّ لي أن أقول بوضوح: إنها أيقونة تخلّفنا، ويا للمفارقة منطقة حباها الله خيرا عميما فهي تسبح في بحر من المياة المعدنية والمياه أغلى من الذهب والبترول …لكن مع هذا الخير هي تسبح في التخلف منذ سنوات. ونفس الشيء يقال عن حاسي مسعود وما جاورها بالرغم من الخير العميم فالمناطق الجنوبية ماتزال بعيدة عن الإقلاع الحقيقي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com