أكذوبة “جمعية العلماء المسلمين” أم أكاذيب بدري بن المنور؟ (1)/بقلم/ عبد الحميد عبدوس

طوفان من الأكاذيب السخيفة، والادعاءات الوقحة، والتلفيقات المفضوحة، صبه الكاتب التونسي بدري بن المنور على “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” ورئيسيها الجليلين الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، والعلامة المجاهد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وعلى “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ورئيسه العلامة المجتهد الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في مقاله المعنون (اتحاد علماء المسلمين “القرضاوي” وجمعية العلماء المسلمين “ابن باديس” وجهان لعملة واحدة)، المنشور في جريدة “المغرب” التونسية بتاريخ 3 أكتوبر2017م، واعتبر فيه أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والشيوخ العلماء عبد الحميد بن باديس، محمد البشير الإبراهيمي، يوسف القرضاوي، هم من ” المعاول” التي استخدمها الاستعمار للقضاء على الإسلام كعقيدة وشريعة ونظام، بل إن هذه التنظيمات والشخصيات هي – في رأي بدري بن المنور- أخطر من الاستعمار العسكري، لأنها تحارب الإسلام بأسلوب يجمع بين الخداع والخطورة والبساطة، وتصوب ضرباتها نحو القضاء على الإسلام في نفوس المسلمين مع خلق نوع من الهزيمة النفسية بين المسلمين والقضاء على وحدة العالم الإسلامي .
يقول بدري بن المنور في مقاله المشار إليه أعلاه: “الثابت أن أكبر معاول تقويض هذه الوحدة وضرب خصوصيات العالم الإسلامي كان ولا يزال إلى اليوم بضاعة شخصيات وتنظيمات تلبس جبة الإسلام، وعمامته وتمول بملايين الدولارات لكنها ترمي إلى غير ما تريده، وتوظف للفعل المشهود، ولنا شاهد على ذلك، ومثالان ناطقان:
الأول هو ” جمعية العلماء المسلمين” في الجزائر و رئيسها عبد الحميد بن باديس واتحاد علماء المسلمين، ورأسه يوسف القرضاوي.
لا شك أن هذا الهذيان العجيب لا يمكن أن يصدر إلا عن نفسية مريضة حاقدة، فكيف يمكن لأي قارئ عادي، فضلا عن المثقف الواعي أن يقتنع بأن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعلماء الإسلام، فرسان الدعوة إلى الله تعالى أمثال الشيوخ عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، ويوسف القرضاوي المشهود لهم في مشارق الأرض ومغاربها، ومن الأصدقاء والأعداء على السواء، بحسن البلاء في خدمة الإسلام ونصرته، هم في حقيقة الأمر مجرد “معاول” وظفها المستعمرون لتقويض وحدة العالم الإسلامي، وضرب خصوصيته، كما يدعي الطرقي التافه بدري بن المنور الذي لم يجد ما يتكئ عليه للطعن في الدور الوطني والجهادي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ورئيسها العلامة محمد البشير الإبراهيمي سوى شهادة رئيس الحكومة الأسبق عبد السلام بلعيد المعروف بعلاقته المتوترة منذ زمن بعيد بزميله في الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين أثناء ثورة التحرير، ثم في حكومة الرئيس الراحل هواري بومدين بعد استرجاع الاستقلال الوطني، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، نجل الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق؛ إذ يقول بدري بن المنور: “عاشت الجزائر فترة من الزمن طالت تحت أكذوبة “جمعية العلماء المسلمين” وأكذوبة المصلح “عبد الحميد بن باديس”1889م-1940م وشريكه “البشير الإبراهيمي” 1889م- 1965م، قد يبدو غريبا الحديث عن هذه الجمعية وعن هذين الشخصيتين باستعمال لفظ “أكذوبة”! وقد يثير هذا الاستعمال كثيرا من الجدل وردود أفعال…، ولكن سحب الغرابة تنقشع حين نعلم أن العديد من الحقائق التاريخية التي برزت للعيان وتحيلنا على التشكيك في هذه الجمعية، وهذه الشخصيات التي أسستها، وفي خفايا دواعي نشأتها ومضامين أدبياتها، فلأول مرة يجرؤ أحد مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية، واسمه بلعيد عبد السلام على كشف المستور حول الدور السلبي للشيخ الإبراهيمي- من أبرز مؤسسي جمعية علماء المسلمين الجزائريين- تجاه القضية الوطنية وحرب التحرير الوطني وذلك في كتاب بعنوان “كتابات وتحليلات غير منشورة حول قضايا ماضي غير بعيد” كشف فيه الدور المهادن والمتصالح سياسيا مع الإدارة الاستعمارية وانتقد بلذاعة دور الشيخ الإبراهيمي تجاه ثورة التحرير”.
وللقارئ الكريم أن يلاحظ أن ما أسماه بدري بن المنور -جهلا وتطاولا- “حقائق تاريخية” اكتفى المناضل بلعيد عبد السلام الذي جعله مصدرا لمعلوماته بتسميتها “كتابات وتحليلات” وشتان بين العبارتين !
وإذا كان من حق المناضل بلعيد عبد السلام باعتباره من الفاعلين في حركة التحرر الوطني وإطارا جزائريا شغل مناصب حساسة في الدولة الجزائرية أن يقدم قراءته أو تحليلاته لبعض وقائع التاريخ الوطني أو أن ندلي بشهادته حول شخصيات وطنية ساهمت في صناعة التاريخ الوطني، فلا يعني ذلك أن تحليلات أو قراءات المناضل بلعيد عبد السلام أو شهادته هي “حقائق” تاريخية لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها، خصوصا إذا كان الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشيخ البشير الإبراهيمي قد أكد في رده على رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام بأن هذا الأخير لم يقرأ نصا واحدا باللغة العربية من نصوص الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، فيقول: “الحكم على رجل دون قراءة نص واحد له هو انحراف، وما يعتبره مثل بعض المؤرخين الفرنسيين أن الوثيقة المكتوبة باللغة العربية ليست وثيقة، فهذا انحراف آخر.”
من المحتمل ألا يكون الكاتب التونسي بدري بن المنور قد اطلع على نص نداء الشيخ البشير محمد البشير الإبراهيمي المؤيد للثورة الجزائرية الذي نشره في القاهرة غداة اندلاع الثورة في 2 نوفمبر 1954م، ولكن باستطاعته إذا كلف نفسه عناء البحث في تاريخ الثورة الجزائرية أن يطلع على بيان الشيخ الإبراهيمي الموجه للثوار الجزائريين في 15 نوفمبر 1954م تحت عنوان “إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر والمغرب العربي: اليوم حياة أو ممات، بقاء أو فناء” المنشور في كتاب المجاهد الجزائري والداعية الإسلامي الفضيل الورتلاني (الجزائر الثائرة)، والذي طبع في بيروت سنة 1956م، أي قبل صدور كتاب المناضل بلعيد عبد السلام بـ: 61 سنة .
وإذا كان بدري بن المنور يريد التعرف على دور الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وجمعية المسلمين الجزائريين التي كان يرأسها عند اندلاع ثورة التحرير المباركة، فإننا نقدم له شهادة ضابط المخابرات الفرنسي الكوماندان “جاك كاري” المختص في الشؤون السياسية بالولاية العامة الفرنسية بالجزائر، عندما قال في تقريره عن اندلاع الثورة: “قد لا تكون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على اطلاع على القرار السري لإعلان التمرد في أول نوفمبر 1954م، ولكنها هي التي مهدت له الأرضية وكونت إطاراته اللازمة”.
و على الرغم من أن المتتبعين لتاريخ العلامة المجاهد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي يعرفون ضراوة العداوة وقساوة العقوبات التي تعرض لها الشيخ الإبراهيمي من طرف إدارة الاحتلال الفرنسي، والتي تراوحت بين التضييق الإداري والنفي والسجن والتعذيب، فإن الأفَّاك “بدري بن المنور” اكتشف ـ بعد أكثر من نصف قرن على رحيل العلامة محمد البشير الإبراهيمي- أنه كان: “مهادنا ومتصالحا سياسيا مع الإدارة الاستعمارية” !
يتبـــــــع…