ترويج الخبر الكاذب محرم أشد التحريم، وفاعله فَتَّانٌ أثيم

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
السؤال
قال السائل: (و. ل) حُكِمَ على ابني بالسجن بسبب ديون ترتبت عليه من البنك، ولم يستطع قضاءها، فاتهمه بعض الناس، بأنه سرق وباع المخدرات، ونشروا صورته على صفحات التواصل، واتهموه بما ليس فيه، واتهموا عائلته. ولما عُرِف أحدُ المفترين عليه، من الذين نشروا الخبر الكاذب، قال: إنه سمع الناس يقولون، وأنه قرأ في الجريدة، وغير ذلك من التبريرات؟ قال السائل: وسؤالي: لماذا القضاء لا يعاقب أمثال الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا؟ لماذا لايوقفونهم عند حدهم؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
أولا: نقل الخبر الكاذب محرم لأنه يؤذي المؤمنين في أعراضهم، ويخدش سُمْعَتَهُم، ويجرح كرامتهم، ونعم، وألف نعم، كما قال السائل، يجب على السلطات الأمنية، والقضائية أن تقيم الحدود الزجرية الردعية على السفهاء الذين ينقلون الإفك ويروجونه بين الناس. وكفى بالمرْء كَذِبًا أنْ يُحدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. قال الله تعالى عن الذين نقلوا خبر الإفك عن أمنا عائشة رضي الله عنها:﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[النور: 15/18].
قال القرطبي: {هذا: عِتَابٌ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ كَانَ يَنْبَغِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُنْكِرُوهُ وَلَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ وَالنَّقْلِ، وَأَنْ تُنَزِّهُوا اللهَ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَقَعَ هَذَا مِنْ زَوْجِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنْ تَحْكُمُوا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّهَا بُهْتَانٌ، وَحَقِيقَةُ الْبُهْتَانِ أَنْ يُقَالَ فِي الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَالْغِيبَةُ أَنْ يُقَالَ فِي الْإِنْسَانِ مَا فِيهِ} (القرطبي:12/205).
ثانيا: بالنسبة للأفراد لا يجوز لهم نشر خبر عن أحد في خصوصياته وخصوصيات أهله، أو وظيفته، أبدا. عملا بالحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ] (الترمذي:2317) من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. ليس من أخلاق المسلم تتبع أخبار الناس، والتجسس عليهم، ونقل عثراتهم، فقط للإثارة والتشويش والفتن، أخبار الطعن في أعراض الناس تَعُودُ على ناشر الخبر المزعج باللعنات والدعاء عليه بالوبال والخبال والخزي في الدنيا والعذاب في لآخرة. والله تعالى أعلم.
ثالثا: بالنسبة للمؤسسات الإعلامية كالقنوات التليفزيونية، والإذاعات، والجرائد، والمجلات، يحرم عليهم نقل الخبر دون تثبت، ودون معرفة العواقب، ولاينقلون إلا الخبر المفيد للأمة، قلت: لا ينقلون ولا يروجون ولا ينشرون إلا الخبر الذي ينفع العامة، وعليهم أن يعملوا بقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ (الحجرات:6). وليحذر المتساهلون في ترويج الشائعات فإن الله تعالى قال:﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً﴾ (الإسراء:36). وعلى المسلمين جميعا أن يتدبروا هذه النصوص الشرعية، ومنها:﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[النساء:83].
وقول الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور:23/24].
الذين ينشرون الخبر الكاذب، خبر الافتراء، والشحناء، وما يحدث العداوة ويكشف عن عورات الناس، أليس صاحب هذا العمل فاسقا، من الساقطين في إعلام شيطاني أثيم؟ الأنترنيت والصحف والقنوات الإذاعية والتليفزيونية هي وسائل نعمة، سخرها الله للدعوة إلى الخير، وإدخال الفرح والسرور على الناس، وليس لنشر الشر وكلام وصور الفاسقين. إن ناقل الشَّرِّ شِرِّيرٌ، وناقل الإفك أفاك، وناقل الفسوق فاسق، وناقل الكذب كَذَّابٌ، لأن وِزْرَ متبع العاصي في معصيته يستحق نفس العقاب. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ](مسلم. كتاب الزكاة.1017). والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.