موقــــف و خـــاطـــــرة

لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ

الشيخ نــور الدين رزيق */

يشتك الناس هذه الأيام الجَدب والقحط وقلة المطر ولا شك أن لهذا الأمر سبب يفسرها العبد المؤمن بكثرة الذنوب والمعاصي؛ فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يُرفع إلا بتوبة، وهذا ما قرره الله تعالى في القرآن الكريم كثيراً، ومن ذلك:
قال تعالى:{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن/16].
وجاء في السُّنة عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ :
لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا .
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ).
[رواه ابن ماجه (4155)، وحسَّنه محدّث الشام في “صحيح ابن ماجه”].
وعليه فإن دواء هذا الداء: أن نلجئ إلى الله تعالى لرفع هذا القحط والجدب بـ:
1- صلاة الاستسقاء:
وهي صلاة نفل بكيفية مخصوصة لطلب السُّقيا من الله تعالى بإنزال المطر عند الجَدْب والقحط.
بخروج الناس مع الإمام إلى المصلى متبذِّلين متواضعين متضرعين؛ فقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الاستسقاء متبذِّلاً متواضعًا متضرعًا (معنى متبذِّلاً؛ أي: تاركًا لبس ثياب الزينة، ومعنى متخشِّعًا؛ أي: مُظهِرًا للخشوع؛ ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل، ومعنى متضرعًا؛ أي: مُظهِرًا للضراعة، وهي التذلل عند طلب الحاجة).
تحويل الإمام رداءه الوارد في حديث عبد الله بن زيد، فمعناه: أن يجعل ما على يمينه – من ردائه – على يساره والعكس، واستحبه الجمهور، وقيل: يستحب أن يقلب ظهر ردائه لبطنه، وبطنه لظهره، والحكمة في ذلك: التفاؤل بتحويل الحال، ومحل تحويل الرداء في أثناء الخطبة حين يستقبل القِبلة للدعاء، وهو عند الحنفية والشافعية والحنابلة وعند المالكية بعد الفراغ من الخطبتين.
2- الدعاء: وهذا أكمل أنواع الاستسقاء، وإمّا أن يكون بالدعاء بطلب الغيث في خطبة الجمعة، كما فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإمّا أن يكون بالدعاء والابتهال إلى الله تعالى، في كلّ وقتٍ، بطلب السقيا دون خطبةٍ ولا صلاة.
3- الاستغفار:
ومن فضائل الاستغفار أنه يجلب الخيرات والبركات للعبد ويدفع عنه البلاء يقول الله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا * مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح/10-14].
4- ثم ما جاء في هذا الحديث العظيم فيما رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(بينما رجل يمشى فى أرض فلاة إذ سمع صوتاً فى سحابة يقول: اسق أرض فلان فأفرغ السحاب ماءه فى شرجة من شراج الحرة فذهب ذلك الرجل الذى كان يمشى إلى المكان الذى أفرغ السحاب ماءه فيه فرأى رجلاً معه فأساً يمهد مجرى للماء حتى يذهب إلى أرضه أو بستانه حتى استوعب الماء كله فذهب إليه وقال: السلام عليك يا فلان باسمه الذى سمعه فى السحابة، فقال وعليك السلام من أين عرفت اسمي؟ قال: إنى سمعت صوتاً فى سحابة يقول: اسق أرض فلان فأفرغ السحاب ماءه عندك فماذا تصنع؟ قال: أما قد قلت لي ذلك فإنى أنتظر ما يخرج من الأرض فأقسمه ثلاث أقسام: قسم أتصدق به وقسم آكله أنا وعيالي وقسم أرده فى بطنها).
وقسم أرده فى بطنها: أي بذراً فى باطن الأرض حتى يخرج مرة أخرى.
هذا الحديث أحد الأحاديث الصحيحة من أحاديث كثيرة قصها علينا النبى صلى الله عليه وسلم من قصص الأقدمين.
فهو يشتمل على ثلاث فوائد لجلب الخير وطرح البركة في الرزق وكل فائدة تشتمل أيضاً على فوائد:
الفائدة الأولى: فضل الصدقة.
الفائدة الثانية: فضل النفقة على العيال.
الفائدة الثالثة: الأخذ بالأسباب.
وتكون لنا مناسبة أخرى للتفصيل في فوائد هذا الحديث إن شاء الله رب العالمين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com