استيـراد الصـــورة الثقافيــة بصمة اقتصادية عميقـــة
أ. بن جبل لونيس الجزائري /
تتحول خرائط وتتغير، كما تظهر تكتلات وتحل، وتخطط سياسات وتتبدل، وكلّ هذا النشاط التفاعلي لعل هناك مراد من ورائه ومغزى، وكل هذه الصورة وكأن محللها أو الباحث في ثناياها يقف على ما تترجمه من سباقات نحو سبق يكرس السعي لاحتلال الصدارة، واستعمال مصطلح صورة على صيغة المفرد يدل على أن كل هذه التفاعلات تجري من أجل هدف واحد وهو الهيمنة والاكتساح، نعم هذا هو التسابق بين الأمم والدول والتنظيمات، وهو الهادف إلى المحافظة على الوجود والتحصين وكذلك إلى الريادة والتقدم.
ومن بين أهم الجوانب الأساسية التي لطالما اعتمدت في هذه التفاعلية هو الجانب الاقتصادي، حيث كان له عظيم الدور في رسم معالم البناء والتطور في سلم الحضارات والسياسات، وما يلعبه من دور مهم حتى على مستوى باقي الجوانب الأخرى، فعلاقته بمختلف الجوانب وانعكاساته عليها انطلاقا من أهميته الحيوية باعتباره المغذي والمصدر، وهذا ما جعله النقطة الأساسية والوتر الحساس الذي يعمل عليه من يريد ويسعى إلى القوة، ولعل الدليل الدامغ كونه شكل أهمية قصوى في حركة البشر، هي تلك الثورة العملاقة التي قامت لدفع عجلة الصناعة والاقتصاد، وكتتبع بسيط لكل الحضارات المتقدمة التي رسمت أثرها عميقا نجد أن اقتصاداتها قوية مهيمنة ومزدهرة.
كان الاقتصاد ولازال محط التحليل والبحث عبر مختلف العصور فبني علما قائما بذاته يتناول هذا الجانب ويخوض في تفاصيله وحيثياته وعملياته، ومن بين أبرز وأهم المقاربات التي تناولته نجد المقاربة المرتكزة على تحليل ودراسة الجوانب الموجهة والمؤثرة على العملية الاقتصادية وبالضبط على آلية جزئية فيه، ألا وهي توجيه الاستهلاك أو التحكم في سلوك المستهلك، وبصيغة أخرى تحريك قاعدة العرض والطلب والتأثير عليها والتي تلعب دورا كبيرا في تحديد معالم الإنتاج والتبادلات بين الدول وترجح كفة الميزان الاقتصادي، وكان هذا محط عمل الكثير من السياسات الهادفة إلى اكتساح الريادة أو السيطرة والتي تعمل في عصرنا الحديث على تصدير الصورة الثقافية التي تمثل الموجه نحو توجه ثقافي معين له أثر كبير في التغلغل داخل ميكانيزمات السلوك الاستهلاكي.
واستيراد الصورة الثقافية أو تصديرها يعني العمل على الجزئية الأولى من قاعدة الاقتصاد وهي العرض فاستيراد الصورة الثقافية يشكل بنسبة كبيرة قبول العرض والتهيئة للطلب أما تصدير الصورة الثقافية يعني بنسبة كبيرة تصدير العرض في انتظار الطلب، فيخلق استعدادات سلوكية تتعلق بالنسق الاستهلاكي وهكذا تتضح علاقة تلك الأمور الثقافية المسوقة بالسلوك الاستهلاكي الذي له عظيم الدور في تشكيل البصمة الاقتصادية الخاصة بمنظومة مختلف الدول، والصورة الثقافية هنا تتمثل في كل ما يأتي من الخارج والذي يعبر عن ثقافته الخاصة بشكل أو بآخر وبنسبة أو بأخرى، ومن هنا كلما كانت تلك الصورة الثقافية المستوردة سلبية غير متوافقة مع جملة الخصائص الاجتماعية الأنتروبولوجية، كلما كانت تأثيراتها على الاقتصاد سلبية والعكس بالعكس، لأنها تلعب دورا كبيرا في التوجيه كونها ستتفاعل لتكون تلك الأرضية والاستعدادات لدى طبقة من الأفراد للتبعية والتقليد داخل حيز ثقافات أخرى وخصائص مجتمعات أخرى هذا إن لم تكن موجهة لأهداف تمس الكيان والهوية، لذلك من أجل بناء اقتصاد قوي محصن ويسهل التحكم فيه ودراسة جوانبه، يجب أن نعي جيدا قيمة وأثر الصورة الثقافية لما لها من أثر في خلق التوجه الاستهلاكي ومن ثم طبع البصمة الاقتصادية، ومن المهم جدا أن نستقبل فقط ونستورد كل صورة ثقافية جيدة، ويدخل في سياق الصورة الثقافية كل من الأعمال السينمائية والمنتوجات الفكرية وحتى السلع والمستلزمات ومن المهم كذلك ألا ننحصر فقط في استيراد الصور الثقافية وأن نتحرك نحو تصدير صورنا الثقافية لنمارس رد الفعل العكسي الذي سينجح مع إصرارنا عليه وتحسينه، فهذا التفاعل جد مهم كي لا ينحصر وجودنا في الاستهلاك والاستقبال فقط، فعدم ممارسة وإدارة رد الفعل بحيث كما نتأثر ونعمل أن يكون تأثرا إيجابيا، وجب أن نمارس التأثير، ونبني رؤية تقنية تأهلنا أن نصدر صورتنا الثقافية، ويدخل هذا في إطار معادلة ممارسة الأثر من أجل الحصانة من جهة ومن أجل التفاعل والتعبير عن أفكارنا وثقافتنا من جهة أخرى، وهكذا سنكون رقما فاعلا في التفاعل الحضاري للبشرية.