من يتذكر طارق رمضان؟
عبد العزيز كحيل/
بهذه البساطة يُهال التراب على رجل نذر حياته للدفاع عن الإسلام في الغرب؟ كان أعلى صوت إسلامي في الفضائيات الفرنسية والغربية وفي قاعات المحاضرات هناك، ينازل رؤوس الإلحاد والعلمانية العدوانية والإسلاموفوبيا، يردّ الضربات الموجهة فكريا وإعلاميا لدين الله، ينافح عنه، ويبطل الافتراءات ويكشف الشبهات ويميط اللثام عن وجه الإسلام الباسم، فيحببه إلى النّاس …
بمعيار العلم والمعرفة كان هو العالم الفذّ المتبحر الذي يحيط بموضوعاته ويتعمق فيها، فهو خريج الجامع الأزهر، ودكتوراه فلسفة من جامعة جنيف، أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة اكسفورد وعديد الجامعات الغربية (منها جامعة ايديانيا الأمريكية)، أما بمعيار الدعوة فهو الداعية القدير العارف بعصره وتعقيداته وخباياه، المتمكن من أساليبه، القريب من الشباب المسلم في فرنسا وسويسرا، خاصة المهمّشين في الضواحي من ذوي المشاكل والحاجات المختلفة، أما بمعيار النسب فهو الكريم بن الكريم بن الكريم، والدُه الداعية القدير من الرعيل الأول للحركة الإسلامية الأم، سعيد رمضان الذي أسس أول مركز إسلامي بأوروبا في جنيف، وما زال يسيّره ابنه هاني، وجدّه لأمه هو الإمام الشهيد حسن البنا.
طارق رمضان ليس ظاهرة صوتية ولا إعلامية، فهو فيلسوف معترف به في الأوساط الغربية، مفكر من الطراز الرفيع، متمكن تمكنا كاملاً من العربية والإنجليزية والفرنسية كتابة وحديثا، تنقل بين منابر المساجد في القارات الخمس، يبث فكر العمق والنضج والإعتدال، كما شغل الكراسي العلمية في عدد من الجامعات الغربية، وكان له حضوره المتميّز في الفضائيات هناك وخاصة في فرنسا، لماذا فرنسا بالضبط؟ لأنّها موطن مناهضة الإسلام والاسلاموفوبيا بامتياز، كم عانى من الملحدين العرب وضرباتهم المتنوعة للإسلام (مثل عبد الوهاب مدب)، لكنه واجههم وهزمهم وأبطل دعاويهم…كان يطوف الدنيا يخطب في المساجد بالعربية والفرنسية وغيرهما، يدرّس، يؤلف، ينشر المقالات، يحضر المناظرات خاصة في البلاتوهات الفرنسية حيث واجه رؤوس المناهضين للإسلام بكل جرأة وقوة… وكادت له فرنسا كيدها (شخصيا كنت أتوقع ذلك) واتهمته بشتى قضايا أخلاقيا لا تصمد أمام المحاكم، وتوالت عليه الضربات، وسيق إلى السجن وانتقل من محكمة إلى أخرى، وتكلمت الصحف المحايدة والماحمون عن ملفات فارغة وقضايا مفتعلة لا تصمد أمام الحقائق، وبدا لكل منصف أنها اتهامات محبوكة ومقصودة لإسكات صوته (مع العلم أنه سبق لفرنسا أن منعته من دخول أراضيها لأنه يمثّل خطرا على الأمن العام !!!.. ما حقيقة التهم؟ لا أدري لكن مهما يكن من أمر وحتى إذا أخطأ هل من الإسلام ومن المروءة التخلي عنه وإهالة التراب عليه؟ أين سابقته وعطاؤه وجهاده بالكلمة لنصرة الدين؟ زوجته الفرنسية السويسرية المسلمة لم تتخلّ عنه ولا ابنتُه الداعية رغم نوعية التهم الموجهة له، وهما إلى جانبه دون تحفظ بمعنى اطمئنانهما لبراءته.
لا ننسى أنه عندما كان أمثاله يتنعمون في صالونات الغرب وشواطئه ويتلقون التكريمات وتلمع صورُهم كان هو يجوب هذا الغرب رغم المضايقات ويعرّض نفسه للمهالك من أجل الإسلام… فمن يتذكر طارق رمضان؟ يجوز الاختلاف معه، فهل يجوز نسيانه وهو ما يزال في معاناة مع المحاكم، مقيد الحركة، منبوذا؟
ألم تلاحظوا أن مكانه بقي شاغرا في الفضائيات الفرنسية، لم يستطع أحد تحمل مسؤولية مواجهة المتطرفين العلمانيين والصحفيين المشحونين ضد الإسلام بينما كان هو أسدا هصورا لا تلين له قناة في الذود عن دين الله وردّ الشبهات وبسط الحقائق، والمؤسف حقا أن بعض الإسلاميين نصبوا أنفسهم حراسا للفضيلة وقضاة حاكموه وأصدروا ضده أحكاما نهائية وجردوه من كل المحاسن، وهم الذين يحدثوننا عن مغفرة الزلات وستر الإخوان وحسن الظن بالمسلمين، يكفي أن أذكرهم بالحديث النبوي: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك»- روا الترمذي.
رغم البيئة المناهضة لم يتوان طارق رمضان عن تأييد المقاومة الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، ودافع بقوة عن حماس لما اتهمها الغرب – وقبلهم الحُكام العرب – بالإرهاب، ومن المواقف المشهودة أنه استطاع استصدار حكم قضائي في سويسرا بمنع نشر كتاب فولتير الشهير «التعصب أو النبي محمد»، أتحدى مبغضيه المسلمين أن يقدموا على مثل هذه الخطوة.
عجل الله فرج طارق رمضان ليعود إلى جهاده العلمي والإعلامي والمدني لخدمة الإسلام والمسلمين، وغفر الله لنا وله.