فتاوى

نشر الصور الفاضحة أعمال شيطانية، وإثم ناشرها أقبح من فاعلها

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/

السؤال
قالت السائلة: (ن.ك.ز) بنت جارتهم فتاة، غَرَّهَا الشيطان مرة، ودخلت ملهى ليلي، وأُخِذَتْ لها صورٌ مخلة بالحياء، وصَحَا ضَمِيرُها واستيقظت في صباح اليوم التالي، وتابت، ولم تفعل شيئا غير التبرج والرقص مع الشبان الضائعين، ولكن مشكلتها لم تعد فقط في المعصية والتوبة بينها وبين ربها سبحانه وتعالى، إنما ابن جارهم حمل صورتها ويروجها بين أصدقائه، وأراد أن ينشرها على صفحات الفاسبوك، تقول السائلة: والغريب أن الشاب الناقل للصورة فعل ذلك زعما منه للنهي عن المنكر؟!! لولا أن اتصل أبوها وأخوها بأهل هذا الشاب وأوقفوه عند حده. قالت السائلة: هل من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنشر صور النساء المخطئات؟ وما حكم من يروج الصور الفاضحة؟

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
أولا: لا يحل للمسلم الجهر بالمعاصي، ولو على نفسه رحمة به، فمن ابتلي بارتكاب معصية، فليتب إلى الله ولا يجهر بمعصيته، ففي الحديث عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:[ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ] (البخاري. كتاب الآداب.باب ستر المؤمن على نفسه. رقم: 6069). وأخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، في باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه. تحت رقم: 2990. فإذا كان من الآداب والشرع والمنطق أن العاصي نفسه، وحسب السؤال أن الفتاة التي أخطأت وارتكبت المعصية، وهي حضور مجالس اللهو والرقص والاختلاط الشيطاني، غلطت ثم تابت، كان المفروض أنها وأمثالها من الخاطئين والخاطئات أن يسترن على أنفسهن، وأن لا يجهرن بمعاصيهن، فكيف بغيرهن؟
ثانيا: كان الواجب على ابن جارهم الذي أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بأكبر من المنكر، بنشر صور الراقصين والراقصات وهذا خطأ منه كبير، ومن سوء فهم الغرير، كان عليه أن يسترها وأن لا يفضحها، وأن يعينها على الستر والتوبة إلى الله تعالى، وفي الحديث: [وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ] (البخاري.2442). وعند أبي داود {جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ، فَأَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا، فَأَنَا هَذَا، فَأَقِمْ عَلَيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ سَتَرَ اللهُ عَلَيْكَ لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، فَدَعَاهُ، فَتَلَا عَلَيْهِ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾[هود: 114] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟ فَقَالَ: «لِلنَّاسِ كَافَّةً»]} (أبوداود. كتاب الحدود.باب في الرجل يصيب من المرأة دون الجماع، فيتوب قبل أن يأخذه الإمام.4468). ووجه الاستدلال من هذا الخبر العبارة: {(لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ) أَيْ: لَكَانَ حَسَنًا (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ أَوْ عَلَى عُمَرَ (شَيْئًا) مِنَ الْكَلَامِ}(عون المعبود.12/106) ثم سؤال الرجل الآخر ليتعلم، هل الستر لذلك الذي عالج المرأة خاصة، أم للناس كافة؟ [فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً؟ فَقَالَ: «لِلنَّاسِ كَافَّةً»] فالستر مطلوب، ففي سنن ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:[مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ، حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ](ابن ماجة.2546) قد يقول القارئ، الستر لمن أخطأ مرة وتاب، ولكن بالنسبة للمعروف بالمعاصي لا يستر، يقال للمتسائل: نعم، ولكن كيف؟. قال النووي رحمه الله في شرح حديث الستر عند مسلم:[ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة] قال: {وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله}(16/135).
والقاعدة: أن الأمر بالمعروف أن يكون بالمعروف، والنهي عن المنكر أن يكون بالمعروف. فمن رأى أخاه أخطأ، يستره أو ينصحه بينه وبينه فقط، ولا يفضحه أمام ملأ من الناس، فإن لم يقبل النصيحة، يرفع أمره إلى ولي الأمر، إلى المؤسسات المختصة بذلك، كمؤسسة الأمن، أو القضاء، أو الإفتاء، وتنتهي مهمة الناصح عند رفعه الأمر إلى أولي الأمر، ولا ينشر خبره وصوره عبر وسائل الإعلام. فتدبر قول الشارح عن الْمُصِرِّ على المعاصي: {بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة} وولي الأمر باستشارة العلماء، يتصرف في كل قضية وفق ما يناسبها، ووفق طريقة معالجة الأخطاء. وكرر النووي مؤكدا رفع الأمر إلى ولي الأمر، وليس بنشر صور المجون خدمة للشيطان. فقال النووي (عن الستر المطلوب في الحديث):{هَذَا كُلُّهُ فِي سَتْرِ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ وانقضت أما مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعُهَا إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ} (16/135) والله تعالى أعلم.
ثالثا: فما قامت الفتن الكبرى إلا عندما أراد كل واحد أن يعالج المنكر كما يراه هو، كما فعل الحروريون وسلالاتهم عبر التاريخ الإسلامي الطويل. والله تعالى أعلم.
رابعا: وهل الفاسقة التي تعرض نفسها بإرادتها على المصورين وهي شبه عارية، هل يجوز ترويج صورها الفاضحة المخلة بالحياء،؟ إن ما تقوم به الفاسقة التي تتبرج تبرج الجاهلية، وتتعرى بلا حياء مظهرة مفاتنها للناس، هذا الذي تفعله قبيح وشنيع، وبلغة الفقه من الكبائر والموبقات، ولكن المصور، والناشر لهذه الصور، والْمُرَوِّج لها، والعارض، هم أقبح منها شناعة، وأكثر منها فسادا، فالذي يعرض صور الفاسقات على صفحات الفايسبوك والمجلات، يقوم بعمل إخوان الشياطين، ومثله أكثر من المبذرين، والخمارين. فإن كانت المخطئة التي كشفت ما حرم الله في بلد غير مسلم، فلماذا تنقل الصور إلى شباب المسلمين؟ وإن كانت المخطئة في بلد المسلمين، يُرْفَعُ أمرها إلى ولاة الأمر، وهم مسئولون عن حماية المجتمع من الرذيلة، فالتي تقع في جريمة الرقص المجوني ننصحها وندعوها إلى التوبة، ولا ننشر صورها الفاضحة للشباب وهي ترقص. والله تعالى أعلم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com