موقــــف و خـــاطـــــرة

“رُبَّ ضارَّةٍ نافِعَة “

الشيخ نــور الدين رزيق /

يتردد هذا المثل الشعبي باستمرار عند الحديث عن الشخصية التي لا تعرف أين الخير وتعتقد أن قدرها سئ للغاية.
ولعلّ وباء كورونا ينطبق عليه هذا المثل وكثيرة هي الدّروس والعبر التي ينبغي أن تستخلص من تفشّي وباء كورونا في العالم أجمع فهو لم يفرق بين الغني والفقير، وبين الدولة المتقدمة والدول الفقيرة كلّ العالم أصابه هذا الداء الخطير..
إنّ مثل هذه الأوبئة والبلايا والتي تحل بنا ينبغي أن تحدونا للعودة إلى الله والاحتماء بحماه، وعلى التوبة وكثرة الاستغفار، فما نزلت بلية إلاّ بذنب ولا رفعت إلاّ بتوبة، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون}.
إنَّه لدرسٌ عظيمٌ، وتذكرةٌ وعِبرةٌ لمن له قلبٌ سليمٌ، فها هي دول العالم تقفُ عاجزةً أمامَ فيروسٍ، مع الإمكانياتِ الكبيرةِ، والأموالِ الكثيرةِ، وما تَتَمتعُ فيه مِن خِبراتٍ وقُدراتٍ هائلةٍ في مَجالِ مُواجهةِ الطَّوارئِ الصَّحيةِ، لكن: {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} إلا أن يشاءُ اللهُ تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} فكيفَ بغيرِها من البلدانِ الأقلِّ خبرةً وقُدرةً ومالاً ورجالاً.
أما الجانب الآخر من الأثار الايجابية لهذا الداء هو التكافل الاجتماعي والهبة التضامنية وممّا لا شك فيه أنّه؛ لا يوجد مجتمع إنساني مثالي، ولكن الالتزام بقيم التلاحم المجتمعي والتعاون يضمن مجتمعاً حضارياً تغلب عليه الرفاهية والسعادة والاعتزاز بالانتماء للمجتمع. ولعلّ مصداق ذلك من القرآن الكريم هو قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103).
وخاصة ما قام به إخواننا في أرض المهجر من هبة تضامنية لم يسبق لها نظير: 6700 حقيبة مساعدة على التنفس على دفعتين (أكثر من 2,5 مليون أورو) من جمعية “جزائريون متضامنون” والهيئة الاغاثة الاسلامية – فرنسا ومساعدات طبية أخرى من جمعية تضامن (s.o.s) بفرنسا، سمحت هذه المساعدات على مواجهة هذا الوباء ومن جهة أخرى يظهر مدى ارتباط أبنائنا المغتربين بوطنهم وحبهم وتفانيهم لخدمة أمتهم وبلدهم، وخاصة عندما نجد ضمن هذه الجماعة أفراد ولدوا بفرنسا وبلاد أوروبا على العموم.
إنّ التكافل الاجتماعي في الإسلام مبناه المقرر في الشريعة، الذي يحقق مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع، إعمالاً بقول الله تعالى في سورة التوبة آية 71 {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وتطبيقاً لمبدأ التعاون أو المساعدة المادية، فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة آية 2 {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، فهذه الآية تتحدث بشكل واضح وصريح عن تحقيق مبدأ التعاون الذي يخرج من رحم التكافل الذي أمر به الإسلام.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com