نزهـــــــة… وشــــجــــــون
عبد العزيز كحيل/
قامت الثانوية مشكورة بتكريم التلاميذ المتفوقين وذلك بتنظيم نزهة إلى مدينة شاطئية في يوم ربيعي مناسب لمثل هذه الرحلة، حظي المتنزهون بعناية كبيرة، فقد أحسن المنظمون إطعامهم وسقيهم وتوفير أسباب الراحة لهم طوال اليوم.
تضمنت النزهة زيارة متحف وعدد من الآثار والمرور بشاطئ البحر، واللافت للنظر أمران اثنان: الأول هو عدم انتباه المنظمين والمؤطرين لأمر الصلاة، فمرّ اليوم من غير التفات أحد للوضوء ولا لأي من الصلوات الخمس وكأن هذا شيء لا وزن له، وهذا أمر مؤسف، وهكذا تمتدّ العلمانية اللادينية في حياتنا، لأن الصلاة في رؤيتها الدنيوية البحتة أمر ثانوي ثم هو قضية شخصية لا دخل لأحد فيها، بينما لا يحرص الاسلام على أي عبادة حرصه على الصلاة كما يعرف كل مسلم، والاستهانة بالصلاة رسالة غير لفظية واضحة المعنى خطيرة الأبعاد تنمّ عن رقة الدين وكأن هذه الشعيرة خاصة بكبار السنّ أما المراهقون والشباب فإنهم غير معنيّين بها، ثم كأن لا علاقة للمدرسة بها، فهذه المؤسسة تعلم القراءة والكتابة والحساب ولا شأن لها بإيمان من آمن ولا كفر من كفر، هذا هو منطق العلمانية تسلل إلينا في ظل التغريب الحثيث الذي يمتدّ أفقيا وعموديا في حياتنا ويكاد يبلغ الأعماق… ومعلوم ان من ضيع الصلاة فهو لغيرها أضيع.
إن وليّ التلميذ الساهر على شخصية أبنائه وبناته ينتظر من المدرسة مهمة أكبر من محو الأمية، ينتظر منها أداء واجب التربية الدينية والمدنية إلى جانب تلقين العلوم والمعارف، إذ ما قيمة علم بلا دين ولا أخلاق؟ وإذا كانت المناهج الجديدة تهيل التراب شيئا فشيئا على التربية الإسلامية والخلقية فنحن ننتظر من الأسرة التربوية أن تتجاوزها وتتمسك بمعاني تصحيح الفكر وصقل العقل وترقية الروح وتقوية الخلق وتسديد الاتجاه في الحياة، خلافاً لما تروّجه العلمانية الطاغية المتحكمة التي تسبّح بحمد العلم وهي تشيع الجهل، وتزعم أنها رائدة الرقي والتقدم وهي منقطعة الصلة بالشعائر الدينية والفرائض الإسلامية والمعاني الحقيقية للرقي والتقدم.
كان ينبغي على منظمي الرحلة أن يهتموا بالقدوة اهتمامهم بالتغذية والسياحة وأكثر لتكون الرحلة في المستوى المطلوب، أم أنهم هم أيضا غير معنيّين بالصلاة أصلا ؟ وما أصدق الشيخ البشير الإبراهيمي في قوله: «نصبر على سوء التغذية ولا نصبر على سوء التربية».
هذا عن الصلاة أما الأمر الثاني فهو برنامج الرحلة الذي شمل زيارة كاتدرائية القديس أوجستين حيث «نَعِمَ» المتنزهون بلقاء الراهبات والمتعبدين (متعبدون تشبه ملامحهم الجزائريين والعرب!!!) وتعرفوا على شخصية أوجستين «العظيمة»، فهو – كما تزعم الدعاية النصرانية والعلمانية – «جزائري أمازيغي» أصيل!!!مع العلم أن هذا ادّعاء كاذب لأن الرجل كان عبدا من عبيد الاحتلال الروماني، انحاز فلسفيا للعدوّ ضد شعبه المستعمَر، لكن وجه الغرابة في الأمر أن التلاميذ لم يحظوا بزيارة أي مسجد رغم أن المدينة تزخر بالجوامع التاريخية والأثرية المصنفة، هل هذا هو الانفتاح الذي يتكلمون عنه ؟ يعني الإقبال على ما هو مسيحي والتغافل عمّا هو إسلامي؟ هكذا يحاربون «التعصب الديني»؟ بإدارة الظهر للإسلام أصلا ؟ لا تنسوا ماحدث من قبل في «حفل» وهران العظيم الذي ظهر فيه تعظيم شعائر النصرانية، مما يؤكد صدق ما كتبتُه، ثم هذا التقليد الجديد في الإحتفال بما يسمى يناير الذي أقصى كل ما له علاقة بالإسلام والعربية واتخذ المظاهر الرومانية وغيرها.
أعلم أن كل ما حدث في الرحلة لم يكن مقصودا من طرف المنظمين والمؤطرين لكنه الجوّ الثقافي العام الذي يسوّق «العلمنة» ويسكن اللاشعور فيؤثر في السلوك.
إننا كمسلمين ننطلق من الصلاة ومن المسجد في حياتنا كلها وفي جميع أنشطتنا ومهما كانت أعمارنا، وبعد ذلك نطلب العلم وننفتح على الثقافات والأفكار ونقدّر الحديقة والمتحف وشاطئ البحر… هذه هي التسلية وهذه هي التربية.