لــو سكت الجـــاهل ما اختلف الناس
أ. لخضر لقدي/
قال محدثي: ما لي أراك لا تخوض في الشأن العام؟
قلت: لعلك تقصد الخوض في السياسة.
قال: وهل يتكلم الناس هذه الأيام إلا في هذا الشأن؟.
قلت: حتى لا تسيء بي الظنون فإن الإسلام الذي أدين به لرب العالمين لا فرق فيه بين الدين والسياسة ولا بين السياسة والدين، بل هو كما قال ابن باديس: «السياسة في نظر العلماء هي التفكير والعمل والتضحية».
«… وكلامُنا اليومَ عن العِلمِ والسياسةِ معا. وقد يَرى بعضُهم أن هذا البابَ صعبُ الدُّخول، لأنهم تعوَّدوا من العلماء الاقتصارَ على العِلمِ والابتعاد عن مَسالِكِ السِّياسةِ، مع أنه لاَبدَّ من أن يجمع بين العِلْم والسياسةِ، ولا ينهضُ العلمُ والدينُ كل النهوض إلا إذا نهضتِ السياسةُ بجدٍّ!!» [البصائر].
هذا يا محدثي حظنا نظريا، أما واقعنا المعيش فبين بئيس وتعيس.
وهل كان يحترق وطني، وهل كنت ترى جرحه يدمي، وقضاياه تضيع، وهل مرت المؤامرات، وحيكت الحبكات؟ إلا عندما تولى أهل الجهل والجشع والطمع، تقدموا الصفوف وامتطوا المنصات، وسيطر القراصنة واستولوا على كل شيء: الوطن والوطنية، والإسلام والدعوة إليه، والثروات الظاهرة والباطنة، لقد فاقوا أشهر قراصنة العالم، وأتقنوا السياسة واللعب على الأطراف المختلفة.
وأصبحت وتمسي تسمع أكاذيب الاستمرارية العدل والمساواة، والديمقراطية والحريات، وحكم الشعب بالشعب وللشعب، والدولة الجديدة كليا….إلخ.
ألست ترى المصالح الشخصية تدخل من كل ثقب وباب، فتخرج الوطنية من أوسع الأبواب؟ ألست تسمع الأغاني تردد الأماني؟
«لقد كنا نحسب ونود أننا نعود فنذكر برَّ الإدارة بوعدها، واحترامها للأمة في دينها ولغة دينها، وفي أدق شعورها، فنرفع الصوت بالشكر والاغتباط، ونعرب عن شعور الأمة وعاطفتها الحقيقيين باللسان الصادق والضمير المرتاح. ولكن- ويا للأسف- خاب الظن وباخت الوعود، وانقشعت الأماني التي هي أحلام وتضليل»[ابن باديس من مقال بعنوان: بماذا نعود: ودار لقمان على حالها، والقيد باق والطواشي صبيح].
قلت لمحدثي: كيف لي أن يغمض لي جفن، أو تنام لي عين، وأنا أرى الكذب قد ملأ الساحات، وأشم رائحة النفاق تعود فتزكم الأنوف.
وأقول: لو سكت الجاهل بالسياسة فلم يخض فيها، وسكت الجاهل بالصناعة فلم يتحدث فيها، وسكت كل من لا يعرف في الكلام فيما لا يعرف، ولو تحدث النبيه العاقل دون مواربة ولا رياء، وأبدى بمنظاره الثاقب رؤيته للأمور، لكان الحال غير الحال، والمآل خير مآل.
يا عزيزي هناك أكذوبات كثيرة تروى، وهناك أغان كثيرة تردد، ما لي وما لها.
فهل تريدني أن آكل على كل الموائد وأغشى كل الأعراس أو أركب القطار مع قطعان الحمير؟.
لن يهنأ لنا حال ولن يهدأ لنا بال إلا حينما تستثمر كل طاقة في مجالها، ويخلص كل واحد في تنفيذ المهمة التي يقدر عليها، ويسكت الجاهلون ويختفي المنافقون ويخرص الأفاكون.
لك أن تتخيل جزائرا صمت جهلاؤها وتكلم علماؤها «ولو سكت الجاهل ما اختلف الناس»[علي بن أبي طالب رضي الله عنه].