الغربة الشعورية/بقلم/ عبد العزيز كحيل
يعاني الإنسان وهو في بلده وبين أهله “الغربة الشعورية”، وهذه الأخيرة هي أشدّ على نفس الحرّ الأصيل من الغربة المكانية، ويمثّلها دعاء الطائف، وأهلها هم من عناهم الحديث النبوي: [فطوبى للغرباء]، ومن أنصع نماذجها:
– غربة العالم بين الـجُهال: فهم لا يحترمونه ولا يقدرّونه ولا يقدّمونه، بل تكون الصولة لأشقى القوم يفسّر ويُفتي ويرشد ويقود وهو شبه أميّ.
وكم عانى الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ومالك بن نبي وأمثالهما من هذه الغربة بعد الاستقلال.
– غربة المعتدل بين المتطرفين: حيث يجد نفسه غريبا غربة صالح في ثمود، فهو ييسّر وهم يعسرون، وهو يبشّر وهم ينفّرون، هو ينظر في المقاصد وهم ظاهريون حرفيون، لا يسمع منهم سوى الانتقاص والشتائم والتهم بالتحلل من الدين؛ يفعلون كل هذا باسم الدين والسنة بالضبط!
– غربة المخلص في عمله بين النفعيين والانتهازيين: يُرضي الله تعالى ويخدم أمته، وهم يضايقونه بالازدراء وأنواع الغمز واللمز.
– غربة المرأة المتحجبة بين السافرات: هي ممتثلة لأمر الله تعالى ورسوله، وهنّ يدرن بين الحجاب المتبرج والتبرج المتحجّب، ثم يضفن إلى ذلك منكرا آخر هو ترديد خرافات العلمانيين حول عدم فرضية اللباس الشرعي، فما أصبرها على دينها وعفّتها بين الـمتحلّلات الكاسيات العاريات كما سمّاهن الرسول صلى الله عليه وسلم.
– غربة المصرّ على إتقان عمله في هذا الزمان: يصبح أضحوكة بين أترابه، كيف لا وقد عمّت الرداءة فطالت البنايات والطرقات والرسائل الجامعية ! وصدق ذلك الثائر الذي ساقوه إلى المشنقة لكن الحبل لم يحتمل وزنه فانقطع فصاح في وجه الجلادين “كل أشيائكم رديئة، حتى حبالكم رديئة”!
– غربة إمام المسجد بين هوى الحُكام والعوام: أولئك يريدونه موظفا يسبح بحمدهم ويلهج بذكرهم، وهؤلاء يريدونه مهرّجا يقودونه ولا يقودهم، وهو يصرّ على أن يكون داعية إلى الله، يعلّم ويذكّر ويرفع صوته بالإنكار عند الاقتضاء لا يخاف في الله لومة لائم.
– وأخيرا غربة القبر:
هي قمّة الغربة؛ بل هي الغربة عينُها، حيث لا زوجة، ولا أولاد، ولا إخوة، ولا أسرة، ولا أصدقاء، ولا هاتف محمول، ولا إنترنت، ولا ثلاجة، ولا محامٍ، ولا أنيس. إلا ما قدم الإنسان من عمل.
ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفَن