يـــوم الشهيد وذكـــرى الحـــراك الـمجيــــد
أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
هما يومان في التاريخ الجزائري، يتعانقان على المبادئ والقيم، ويعبقان بعطر العرق والدم، وينبضان بأنفاس التضحية، وتحرير الذمم.
أما أولهما، وهو يوم الشهيد فهو المتجذر بمعانيه في أعماق ذاكرتنا، والمحصّن للذات، في مختلف أطوار تاريخ حياتنا.
وأما ثانيهما، وهو ذكرى الحراك المجيد، فهو الموقظ لنا، من سبات الذهول والرقاد، والمحْيِ فينا، لوثبة النهوض بالبلاد، والإحياء للعباد، وتطهير الوطن من كل أنواع الفساد.
وإذ نحيي اليوم، ذكرى العِراك والحراك، فإنما لنستلهم منهما المزيد من الوعي والإدراك، ونعمق في ضمائرنا، أحكام وإحكام مفاتيح الوفاء، وروح العزم، والقضاء على أسباب الفتور والإنهاك، والإرباك.
وإن في هذه الدروس التي نستحضرها في مناسبتي الشهيد والحراك، لإحالات، على إعداد نفسي ضروري مطلوب، وتجنيد شعبي مرغوب، فلولا الشهيد، ما كان الحراك، ولا كان التجنيد والتجديد.
فأولى الدروس التي نستخلصها من إحياء يوم الشهيد، هو درس الوفاء، للذين حملوا أرواحهم على أكفهم، فاعتصموا بالله وأقدموا على الاستشهاد في سبيل الوطن.
إنهم شبان وشابات، في مقتبل العمر كانت لهم آمال مثل آمالنا، وأحلام مثل أحلامنا، يفيضون حيوية ونشاطا، ولكنهم آثروا الاستشهاد على الاستعباد، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الوطن، وما ضعفوا، وما استكانوا؛ فأكرمهم الله بالخلود.
إن من حق هؤلاء الشهداء، علينا، أن نحمل مشعل الحرية والفداء، الذي رفعوا، في قلوبنا، وضمائرنا، كي يكون المصباح الذي به نهتدي، والمثل الأعلى الذي به نقتدي.
فلا يقتضي الاحتفال بيوم الشهيد، أن نقرأ الفاتحة على أرواحهم، أو نضع باقات الزهور، على نصبهم لإفراحهم، بل المطلوب منا أيضا، هو أن نجسد مناقبهم، ونطبق سوابقهم.
علينا أن ننشّئ الجيل الصاعد، على ثقافة الوفاء، والإباء، وحسن الأداء، ومثالية الإقتداء، حتى يشبوا، محصنين ضد ثقافة الذوبان، والإنسلاب، والإقصاء.
كما يجب أن، يكون يوم الشهيد، ملهما لمن ولاهم الله المسؤولية في هذا الوطن، فيأخذوا من حياة الجهاد والاستشهاد، الموعظة والعبرة، ومن تراث الآباء والأجداد، جميل الذكر، وحسن المقدرة.
وهكذا، فعندما يظلنا يوم الشهيد، بذكراه ومغزاه، نسائل ضمائرنا، عما قدمناه، وما أهملناه، فقد استشهد أبناؤنا وبناتنا كي ننعم، نحن بالحرية، والعزة، والكرامة، فهل نحن حقا منعمون؟
ولقد ضحوا بأرواحهم، لإيمانهم، بحقيقة شعبهم وقداسة أرضهم، وإيمانهم بربهم، وعلينا أن نجمع هذه المنطلقات والمقاصد كلها لنسائل ضمائرنا، عن حقيقة شعبنا، وقدسية أرضنا، وإيماننا بربنا.
تلك –إذن- هي القيم النبيلة التي توحي بها إلينا، احتفالاتنا بيوم الشهيد، فماذا حققنا منها، وماذا بقي علينا أن ننجز؟
أما ثاني حدث نستحضره هذا اليوم فهو موعد الذكرى الثانية للحراك الوطني الجزائري المجيد.
فإذا كان من معجزات جيل الكبار، الجهاد والاستشهاد، تحت لواء نوفمبر الوقاد، فإن من معجزات الجيل الصاعد، هذا الحراك المجيد والموقر والهادي إلى السداد.
لقد جاء هذا الإبداع الجزائري، نسيجا فريدا في عصره، تميز بالشمولية، فلم يُغفل أية فئة، وتميز بالسلمية، فصان الحراك من كل شنآن وعراك، ولذلك كتب له البقاء، فكان له النصر والإباء.
إن الحراك الشعبي الجزائري الجماهيري، يقدّم في علم الاجتماع السياسي، العالمي ولدى أكاديمية البحث الإنثروبولوجي، على أنه مثل سياسي يجب أن يقتدى.
ذلك لأنه أقوى جيش، وأفضل أداء لأطيب عيش، فقد دك عروشا بنيت على مقدمات فاسدة، وزلزل أنظمة قامت على تجارة كاسدة، وحرك مياها عفنة، كانت راكدة.
وحتى يبقى الحراك، طاهرا كمبادئه، وظاهرا كمطالبه، وقويا كمسانده، يجب عليه أن ينأى بتحركه عن الصائدين في الماء العَكِر؛ الذين هم أشبه بالجراد المنتشر، الذين يجمعون كل كذاب أشر، وأشباه النخل المنقعر.
إن الحراك الذي انطلق من رحم الشعب المعذب لِيخفف معاناتِه، ويحقق طموحاته، ويتصدى للمثبطين من معوقاته، إن هذا الحراك يجب أن يبقى وحدوي الأهداف وإسلامي الأصداف، وجزائري الأعراف، متعلقا بالأسلاف، والأشراف.
حذار أن يسطو على نهر الحراك، ناعق يغير أصالة وطنه، فيلوث صفاءه، ويحول عن المجرى ماءه، ويفتن بغير مبادئه أبناءه.
نريد للحراك أن يرتبط بالوفاء للشهداء فيستلهم منهم المثل، وينير بنورهم الطرق والسبل، ويوحد في المسير من السهل والجبل.
هكذا يجب أن تقرأ أحداث يوم الشهيد، وإحياء الذكرى الثانية من ملحمة الحراك النبيل المجيد.
فكل مواطن من موقع مسؤوليته، عليه أن يدخل مبادئ الشهيد، وقيم الحراك السعيد في منهجية أدائه وعنائه، فيغدو الحراك امتدادا للجهاد والاستشهاد.
إن الربط بين فئات الشعب الجزائري، من خلال إحياء يوم الشهيد، والحراك المفيد هو ما ننشده، ونتوق إليه، وننصح كل مواطن أصيل بالذود عنه، والإقتداء بمثله ومعانيه، فليذكر الجميع، أن الوطن، يعيش على فوهة بركان، بسبب الطامعين فيه والمتربصين به، فإن لم نواجه هذه الأطماع بوحدة صفنا، ويقظة وعينا، وصيانة وحدتنا، نكون قد ساعدنا الأعداء على تحقيق أطماعهم فينا، ونكون إذن من الخاسرين، الذين يخونون الشهداء، ويخدعون الحراكيين الأصلاء النبلاء، وتلك هي مصيبة السلب بعد العطاء.